ثم ختم السورة بآية جامعة لأسباب سعادة الدارين ، وذلك أن أحوال الإنسان قسمان : الأول ما يتعلق به وحده فأمر فيه بالصبر ويندرج فيه الصبر على مشقة النظر والاستدلال في معرفة التوحيد والعدل والنبوة والمعاد ، والصبر على أداء الواجبات والمندوبات والاحتراز عن المنهيات ، والصبر على شدائد الدنيا وآفاتها ومخاوفها . الثاني ما يتعلق بالمشاركة مع أهل المنزل أو المدينة فأمر فيه بالمصابرة ، ويدخل فيه تحمل الأخلاق الرديئة من الأقارب والأجانب ، وترك الانتقام منهم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد مع أعداء الدين بالحجة وبالسيف وباللسان أو بالسنان . ثم إنه لا بد للإنسان في تكلف أقسام بالصبر والمصابرة من قهر القوى النفسانية البهيمية والسبعية الباعثة على أضداد ذلك ، فأمر بالمرابطة من الربط الشدّ . فكل من صبر على أمر فقد ربط قلبه عليه وألزم نفسه إياه .
ثم لا بد في جميع الأعمال والأقوال من ملاحظة جانب الحق حتى يكون معتداً بها ، فلهذا أمر بتقوى الله . ثم لما تمت وظائف العبودية ختم الكلام على وظيفة الربوبية وهو رجاء الفلاح منه ، فظهر أن هذه الآية مشتملة على كنوز الحكم والمعارف وجامعة لآداب الدين والدنيا . ثم إنها على اختصارها كالإعادة لما تقدم في هذه السورة من الأصول . وهي : تقرير التوحيد والعدل والنبوّة والمعاد . ومن الفروع كأحكام الحج والزكاة والجهاد . وعن الحسن { اصبروا } على دينكم فلا تتركوه بسبب الفقر والجوع { وصابروا } عدوّكم فلا تفشلوا بسبب ما أصابكم يوم أحد . وقال الفراء : اصبروا مع نبيكم وصابروا عدوكم ، فلا ينبغي أن يكونوا أصبر منكم . وقال الأصم : لما كثرت تكاليف الله تعالى في هذه السورة أمرهم بالصبر عليها . ولما كثر ترغيب الله تعالى في الجهاد فيها أمرهم بالمصابرة مع الأعداء . أما المرابطة ففيها قولان : أحدهما أن يربط هؤلاء خيولهم في الثغور ويربط أولئك أيضاً خيولهم بحيث يكون كل واحد من الخصمين مستعداً لقتال الآخر قال تعالى :{ ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوكم }[ الأنفال :60 ] وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " من رابط يوماَ وليلة في سبيل الله كان كعدل صيام شهر وقيامه لا يفطر ولا ينفتل عن صلاته إلا لحاجة " وثانيهما أنها انتظار الصلاة بعد الصلاة لما روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال : لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ، ولكن انتظار الصلاة خلف الصلاة . وفي حديث أبي هريرة ذكر انتظار الصلاة بعد الصلاة ثم قال : فذلك الرباط ثلاث مرات والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.