غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (200)

190

ثم ختم السورة بآية جامعة لأسباب سعادة الدارين ، وذلك أن أحوال الإنسان قسمان : الأول ما يتعلق به وحده فأمر فيه بالصبر ويندرج فيه الصبر على مشقة النظر والاستدلال في معرفة التوحيد والعدل والنبوة والمعاد ، والصبر على أداء الواجبات والمندوبات والاحتراز عن المنهيات ، والصبر على شدائد الدنيا وآفاتها ومخاوفها . الثاني ما يتعلق بالمشاركة مع أهل المنزل أو المدينة فأمر فيه بالمصابرة ، ويدخل فيه تحمل الأخلاق الرديئة من الأقارب والأجانب ، وترك الانتقام منهم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد مع أعداء الدين بالحجة وبالسيف وباللسان أو بالسنان . ثم إنه لا بد للإنسان في تكلف أقسام بالصبر والمصابرة من قهر القوى النفسانية البهيمية والسبعية الباعثة على أضداد ذلك ، فأمر بالمرابطة من الربط الشدّ . فكل من صبر على أمر فقد ربط قلبه عليه وألزم نفسه إياه .

ثم لا بد في جميع الأعمال والأقوال من ملاحظة جانب الحق حتى يكون معتداً بها ، فلهذا أمر بتقوى الله . ثم لما تمت وظائف العبودية ختم الكلام على وظيفة الربوبية وهو رجاء الفلاح منه ، فظهر أن هذه الآية مشتملة على كنوز الحكم والمعارف وجامعة لآداب الدين والدنيا . ثم إنها على اختصارها كالإعادة لما تقدم في هذه السورة من الأصول . وهي : تقرير التوحيد والعدل والنبوّة والمعاد . ومن الفروع كأحكام الحج والزكاة والجهاد . وعن الحسن { اصبروا } على دينكم فلا تتركوه بسبب الفقر والجوع { وصابروا } عدوّكم فلا تفشلوا بسبب ما أصابكم يوم أحد . وقال الفراء : اصبروا مع نبيكم وصابروا عدوكم ، فلا ينبغي أن يكونوا أصبر منكم . وقال الأصم : لما كثرت تكاليف الله تعالى في هذه السورة أمرهم بالصبر عليها . ولما كثر ترغيب الله تعالى في الجهاد فيها أمرهم بالمصابرة مع الأعداء . أما المرابطة ففيها قولان : أحدهما أن يربط هؤلاء خيولهم في الثغور ويربط أولئك أيضاً خيولهم بحيث يكون كل واحد من الخصمين مستعداً لقتال الآخر قال تعالى :{ ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوكم }[ الأنفال :60 ] وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " من رابط يوماَ وليلة في سبيل الله كان كعدل صيام شهر وقيامه لا يفطر ولا ينفتل عن صلاته إلا لحاجة " وثانيهما أنها انتظار الصلاة بعد الصلاة لما روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال : لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ، ولكن انتظار الصلاة خلف الصلاة . وفي حديث أبي هريرة ذكر انتظار الصلاة بعد الصلاة ثم قال : فذلك الرباط ثلاث مرات والله أعلم .

/خ200