فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (200)

قوله : { يَأَيُّهَا الذين آمَنُواْ اصبروا } الخ . هذه الآية العاشرة من قوله سبحانه : { إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات } [ البقرة : 164 ، آل عمران : 190 ] ختم بها هذه السورة لما اشتملت عليه من الوصايا التي جمعت خير الدنيا ، والآخرة ، فحض على الصبر على الطاعات ، والشهوات ، والصبر : الحبس ، وقد تقدم تحقيق معناه . والمصابرة : مصابرة الأعداء ، قاله الجمهور : أي : غالبوهم في الصبر على الشدائد الحرب ، وخص المصابرة بالذكر بعد أن ذكر الصبر لكونها أشدّ منه ، وأشقّ . وقيل : المعنى : صابروا على الصلوات ، وقيل صابروا الأنفس عن شهواتها . وقيل : صابروا الوعد الذي وعدتم ، ولا تيأسوا ، والقول الأول هو المعنى العربي ، ومنه قول عنترة :

فَلَمْ أرَ حيّاً صَابَروا مِثْل صَبَرْنا *** وَلا كَافَحوا مِثْلَ الذين نُكَافِحُ

أي : صابروا العدّو في الحرب . قوله : { وَرَابِطُوا } أي : أقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها ، كما يربطها أعداؤكم وهذا قول جمهور المفسرين . وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة ، ولم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ، وسيأتي ذكر من خرج عنه هذا ، والرباط اللغوي هو الأوّل ، ولا ينافيه تسميته صلى الله عليه وسلم ، لغيره رباطاً ، كما سيأتي . ويمكن إطلاق الرباط على المعنى الأول ، وعلى انتظار الصلاة . قال الخليل : الرباط ملازمة الثغور ، ومواظبة الصلاة ، هكذا قال ، وهو من أئمة اللغة . وحكى ابن فارس عن الشيباني أنه قال : يقال ماء مترابط دائم لا يبرح ، وهو يقتضي تعدية الرباط إلى غير ارتباط الخيل في الثغور . قوله : { واتقوا الله } فلا تخالفوا ما شرعه لكم { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي : تكونون من جملة الفائزين بكل مطلوب ، وهم : المفلحون .

/خ200