لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (200)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا } يعني على دينكم الذي أنتم عليه ولا تدعوه لشدة ولا لغيرها وأصل الصبر حبس النفس عما لا يقتضيه شرع ولا عقل . والصبر لفظ عام تحته أنواع من المعاني قال بعض الحكماء : الصبر على ثلاثة أقسام ترك الشكوى وقبول القضاء وصدق الرضا . وقيل في معنى الآية اصبروا على طاعة الله وقيل على أداء الفرائض وقيل على تلاوة القرآن وقيل اصبروا على أمر الله وقيل اصبروا على البلاء وقيل اصبروا على الجهاد وقيل اصبروا على أحكام الكتاب والسنة { وصابروا } يعني الكفار والأعداء وجاهدوهم . { ورابطوا } يعني وداوموا على جهاد المشركين واثبتوا عليه . وأصل المرابطة أن يربط هؤلاء خيولهم . وهؤلاء خيولهم ، بحيث يكون كل من الخصمين مستعداً لقتال الآخر . ثم قيل لكل مقيم بثغر يدفع عمن وراءه مرابط ، وإن لم يكن له مركب مربوط ( ق ) عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله والغدوة خير من الدنيا وما عليها " . ( م ) عن سلمان الخير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه وأمن الفتان " وقيل المراد بالمرابطة انتظار الصلاة بعد الصلاة قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ولكنه انتظار الصلاة خلف الصلاة ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة . فذلكم الرباط فذلكم الرباط " أخرجه مسلم { واتقوا الله لعلكم تفلحون } قال محمد بن كعب القرظي يقول الله عز وجل : " واتقوا الله فيما بيني وبينكم لعلكم تفلحون " غداً إذا لقيتموني وقال أهل المعاني في معنى هذه الآية يا أيها الذين آمنوا اصبروا على بلائي وصابروا على نعمائي ورابطوا على مجاهدة أعدائي واتقوا محبة سوائي لعلكم تفلحون بلقائي وقيل اصبروا على النعماء وصابروا على البأساء والضراء ورابطوا في دار الأعداء واتقوا إله الأرض والسماء لعلكم تفلحون في دار البقاء وقيل اصبروا على الدنيا ومحنها رجاء السلامة وصابروا عند القتال بالثبات والاستقامة ورابطوا على مجاهدة النفس اللوامة واتقوا الندامة لعلكم تفلحون غداً في دار الكرامة والله أعلم بمراده وأسرار كتابه .