التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (200)

( 1 ) صابروا : غالبوا أعداءكم بالصبر .

( 2 ) رابطوا : أصل الرباط هو : إعداد الخيل والاستعداد الدائم للحرب . ومعنى الكلمة هنا هو الأمر بالاستعداد الدائم واليقظة الدائمة والمرابطة للعدو .

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ ( 1 ) وَرَابِطُواْ ( 2 ) وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( 200 ) } [ 200 ] .

وفي هذه الآية أمر للمسلمين بالصبر على دينهم ومغالبة أعدائهم بالصبر والمرابطة مع الاستعداد الدائم له وتقوى الله والتزم حدوده . ففي ذلك ضمان فوزهم وفلاحهم .

تعليق على الآية

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( 200 ) }

ولم نطلع على رواية خاصة بالآية . والمتبادر أنها متصلة بالآيات السابقة ومعقبة عليها فسبيل الانتصار على الأعداء الكفار هو هذا الذي أمرت به الآية . فإذا فعله المسلمون هان عليهم أعداؤهم وتمت لهم الغلبة عليهم . فلا محل للاغتمام بما هم عليه من قوة خداعة ، وإنما الواجب هو التحلي بالصفات والأفعال الضامنة للتغلب على هذه القوة .

والآية مع اتصالها بسابقاتها جملة تامة في تنبيه المسلمين بصورة عامة تنبيها مستمر المدى والتلقين إلى ما يضمن لهم الفوز والفلاح والقوة والاستعلاء من الصبر والثبات وتقوى الله والاستعداد الدائم للعدو . وهو تنبيه رائع وشامل .

وقد جاءت خاتمة قوية للسورة . وطابع الختام المألوف في كثير من السور بارز عليها .

هذا ، ومع أن شرحنا للآية منطبق على شرح جمهور المفسرين لها{[480]} فإن منهم من روى بعض الأحاديث التي تفيد أنها في صدد الصلاة أيضا ؛ حيث روى ابن كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة أقبل عليه يوما فقال له : يا ابن أخي أتدري فيم نزلت هذه الآية ؟ قال : لا . قال : أما أنه لم يكن في زمان النبي غزو يرابطون فيه ، ولكنها نزلت في قوم يعمرون المساجد ويصلون الصلوات في أوقاتها ، ثم يذكرون الله فعليهم نزلت أن : اصبروا على الصلوات الخمس وصابروا أنفسكم وهواكم ورابطوا في مساجدكم واتقوا الله فيما عليكم لعلكم تفلحون . وأورد ابن كثير عقب هذا حديثا عن أبي أيوب جاء فيه : " وفد الله علينا رسول الله فقال : هل لكم إلى ما يمحو الله به الذنوب ويعظم به الأجر ؟ قالوا : وما هو يا رسول الله ؟ قال : إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطأ إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة وهو قول الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( 200 ) } " {[481]} ، وهذان الحديثان لم يردا في كتب الأحاديث الصحيحة . وقد قال ابن كثير عن الحديث الأخير : إنه غريب جدا من الطريق المروي عنه . والذي يتبادر لنا أن هذا الحديث لو صح فإنه يحتمل أن يكون بمثابة التمثيل والتشبيه ، ولا سيما أن الآية كانت نازلة قبل صدوره من النبي صلى الله عليه وسلم . ويملح في الحديث المروي عن أبي هريرة أنه يفسر الرباط بما صار يفهم منه في زمن الفتوح في عهد الخلفاء الراشدين وبعده وقد عاش إلى زمن خلافة معاوية بن أبي سفيان .

وعلى كل حال فما زلنا نرجح أن معنى الآية هو تأويل جمهور المفسرين الذي تابعناهم فيه . وهناك أحاديث نبوية عديدة في فضل المرابطة وأجرها والحث عليها . ويستفاد منها أنها متصلة بالجهاد الحربي في سبيل الله وظروفه . وأكثر من استوعبها ابن كثير في سياق تفسير الآية . ومنها ما روي بصيغ متقاربة من طرق مختلفة ومنها ما ورد في الصحاح أيضا . من ذلك حديث رواه البخاري عن سهل بن سعد قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها ){[482]} . وحديث رواه الترمذي والنسائي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله " {[483]} . وحديث رواه أبو داود والترمذي عن فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كل الميت يختم على عمله إلا المرابط ، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ، ويؤمن من فتان القبر " {[484]} . وحديث رواه الترمذي والنسائي عن عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( رباط يوم في سبيل الله أفضل أو خير من صيام شهر وقيامه . ومن مات فيه وقي فتنة القبر ونما له عمله إلى يوم القيامة ){[485]} ولفظ النسائي : " رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم في ما سواه من المنازل " {[486]} .

ختام السورة:

وهناك أحاديث أخرى فاكتفينا بما أوردناه وفي الأحاديث صور من السيرة النبوية تفيد أن الرباط الجهادي كان مما يمارس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيها تلقينات مستمرة المدى في وجوب التيقظ والاستعداد والمرابطة في سبيل الله تجاه أعداء الإسلام والمسلمين وعدوانهم الواقع أو المرتقب .


[480]:أنظر تفسير الطبري والطبرسي وابن كثير والخازن والبغوي والزمخشري.
[481]:روى ابن كثير هذا الحديث من طرق عديدة بينها بعض الاختلاف في العبارة مع الاتفاق في الجوهر.
[482]:التاج ج 4 ص 299 و 300.
[483]:المصدر نفسه.
[484]:المصدر نفسه.
[485]:المصدر نفسه.
[486]:المصدر نفسه.