( يا أيها الذين آمنوا اصبروا ) هذه الآية العاشرة من قوله سبحانه ( إن في خلق السموات ) ختم بها هذه السورة لما اشتملت عليه من الوصايا التي جمعت خير الدنيا والآخرة ؛ فحض على الصبر على الطاعات وعن الشهوات ، والصبر حبس النفس ؛ وقد تقدم تحقيق معناه وهو لفظ عام تحته أنواع من المعاني ، وقد خصه بعضهم بالصبر على طاعة الله ، وقيل على أداء الفرائض وقيل على تلاوة القرآن ؛ وقيل على أمر الله ونهيه ؛ وقيل على الجهاد ؛ وقيل على البلاء وقيل على أحكام الكتاب والسنة ، واللفظ أوسع من ذلك .
( وصابروا ) المصابرة مصابرة الأعداء قاله الجمهور أي غالبوهم في الصبر على شدائد الحرب ، ولا تكونوا أضعف فيكونوا أشد منكم صبرا وخص المصابرة بالذكر بعد ان ذكر الصبر لكونها أشد منه وأشق وأكمل وأفضل من الصبر على ما سواه ، فهو كعطف الصلاة الوسطى على الصلوات ، وقيل المعنى صابروا على الصلوات وقيل صابروا الأنفس عن شهواتها ، وقيل صابروا الوعد الذي وعدتم ولا تيأسوا والقول الأول هو المعنى العربي .
وقد روى عن السلف غير هذا في قصر الصبر على نوع من أنواع الطاعات والمصابرة على نوع آخر ، ولا تقوم بذلك حجة ، فالواجب الرجوع إلى المدلول اللغوي وقد قدمناه .
( ورابطوا ) أي أقيموا في الثغور مرابطين خيلكم فيها كما يربطها أعداؤكم ، وهذا قول جمهور المفسرين ، وعن محمد بن كعب القرظي قال : اصبروا على دينكم وصابروا الوعد الذي وعدتكم ، ورابطوا عدوي وعدوكم .
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة ، و لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ، والرباط اللغوي هو الأول ، ولا بنافيه تسميته صلى الله عليه وسلم لغيره رباطا ، ويمكن إطلاق الرباط على المعنى الأول وعلى انتظار الصلاة ، قال الخليل :الرباط ملازمة الثغور ومواظبة الصلاة ، وهكذا قال وهو من أئمة اللغة .
وحكى ابن فارس عن الشيباني انه قال : يقال ماء مترابط دائم لا يبرح ، وهو يقتضي تعدية الرباط إلى غير ارتباط الخيل في الثغور ، قال الخازن كل مقيم بثغر يدفع عمن وراءه وإن لم يكن له مركوب مربوط .
وعن أبي هريرة :قال أما إنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غزو يرابطون فيه ، ولكنها نزلت في قوم يعمرون المساجد يصلون الصلوات في مواقيتها ثم يذكرون الله فيها .
وقد ثبت في الصحيح وغيره من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم " ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا و يرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط{[402]} .
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الرباط ، وفيها التصريح بأنه الرباط في سبيل الله ، وهو يرد ما قاله أبو سلمة بن عبد الرحمن فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ندب إلى الرباط في سبيل الله وهو الجهاد ، فيحتمل ما في الآية عليه .
وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم انه سمى حراسة الجيش رباطا فأخرج الطبراني في الأوسط بسند جيد عن انس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن اجر المرابط فقال :من رابط ليلة حارسا من وراء المسلمين كان له أجرا من خلفه ممن صام وصلى{[403]} .
( واتقوا الله ) في جميع أحوالكم ، ولا تخالفوا ما شرعه لكم ( لعلكم تفلحون ) أي تكونون من جملة الفائزين بكل مطلوب ، الناجين من كل الكروب .
وقد ورد في فضل هذه العشر الآيات التي في آخر هذه السورة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما اخرجه ابن السني وابن مردويه وابن عساكر عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة ، وفي إسناده مظاهر بن أسلم وهو ضعيف{[404]} .
ومن حديث ابن عباس في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ هذه العشر الآيات لما استيقظ ، واخرج الدارمي عن عثمان بن عفان قال :من قرأ آخر آل عمران في ليلة كتب له قيام الليلة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.