جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (48)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهّارِ } .

يقول تعالى ذكره : إن الله ذو انتقام يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضِ والسّمَوَاتُ من مشركي قومك يا محمد من قريش ، وسائر من كفر بالله وجحده نبوّتك ونبوّة رسله من قبلك . ف «يوم » من صلة «الانتقام » .

واختلف في معنى قوله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ فقال بعضهم : معنى ذلك : يوم تبدّل الأرض التي عليها الناس اليوم في دار الدنيا غير هذه الأرض ، فتصير أرضا بيضاء كالفضة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت عمرو بن ميمون يحدّث ، عن عبد الله أنه قال في هذه الاَية : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ قال : أرض كالفضة نقية لم يَسِل فيها دم ، ولم يُعْمَل فيها خطيئة ، يسمعهم الداعي ، وينفُذُهم البصر ، حُفاة عُراة قياما أحسب قال : كما خُلِقوا ، حتى يلجمهم العرق قياما وَحْدَه .

قال : شعبة : ثم سمعته يقول : سمعت عمرو بن ميمون ، ولم يذكر عبد الله ثم عاودته فيه ، قال : حدثنيه هبيرة ، عن عبد الله .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا يحيى بن عباد ، قال : أخبرنا شعبة ، قال : أخبرنا أبو إسحاق ، قال : سمعت عمرو بن ميمون وربما قال : قال عبد الله : وربما لم يقل ، فقلت له : عن عبد الله ؟ قال : سمعت عمرو بن ميمون يقول : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : أرض كالفضة بيضاء نقية ، لم يسل فيها دم ، ولم يعمل فيها خطيئة ، فينفُذُهم البصر ، ويسمعهم الداعي ، حفاة عُراة كما خُلِقوا . قال : أراه قال : قياما حتى يُلجمهم العرق .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن مسعود ، قوله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ قال : تبدّل أرضا بيضاء نقية كأنها فضة ، لم يسفك فيها دم حرام ، ولم يُعمَل فيها خطيئة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون عن عبد الله ، في قوله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : أرض الجنة بيضاء نقية ، لم يُعمل فيها خطيئة ، يسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر ، حفاة عراة قياما يلجمهم العرق .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : أرض بيضاء كالفضة لم يسفك فيها دم حرام ، ولم يُعمل فيها خطيئة .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا يحيى بن عباد ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : أخبرنا عاصم بن بَهْدلة ، عن زِرّ بن حُبيش ، عن عبد الله بن مسعود ، أنه تلا هذه الاَية : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلّهِ الوَاحِدِ القَهّارِ قال : يجاء بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يُسْفك فيها دم ، ولم يُعمل عليها خطيئة ، قال : فأوّل ما يحكم بين الناس فيه في الدماء .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن سنان ، عن جابر الجُعفيّ ، عن أبي جبيرة ، عن زيد ، قال : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهود ، فقال : «هَلْ تَدْرُونَ لِمَ أرْسَلْتُ إلَيْهِمْ ؟ » قالوا : الله ورسوله أعمل . قال : «فإنّي أرْسَلْتُ إلَيْهِمْ أسألُهُمْ عَنْ قَوْلِ اللّهِ يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ إنّها تَكُونُ يَوْمَئذٍ بَيْضَاءَ مثْلَ الفضّةِ » . فلما جاءوا سألهم ، فقالوا : تكون بيضاء مثل النقيّ .

حدثنا أبو إسماعيل الترمذي ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سنان بن سعد ، عن أنس بن مالك ، أنه تلا هذه الاَية : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : يبدّلها الله يوم القيامة بأرض من فضة لم يُعمل عليها الخطايا ، ينزلها الجبّار تبارك تعالى .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : أرض كأنه الفضة . زاد الحسن في حديثه عن شبابة : والسموات كذلك أيضا كأنها الفضة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : أرض كأنها الفضة ، والسموات كذلك أيضا .

حدثنا ابن البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا محمد بن جعفر ، قال : ثني أبو حازم ، قال : سمعت سهل بن سعد يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «يُحْشَرُ النّاسُ يَوْمَ القيامَةِ على أرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ النّقِيّ » . قال سهل أو غيره : «لَيْسَ فيها مَعْلَمٌ لغَيْرِهِ » .

وقال آخرون : تبدّل نارا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن السّكْن ، قال : قال عبد الله : الأرض كلها نار يوم القيامة ، والجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها والذي نفس عبد الله بيده ، إن الرجل ليفيض عرقا حتى يرشح في الأرض قدمه ، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه وما مسه الحساب فقالوا : مم ذاك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : مما يرى الناس ويلقون .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنَا عبد الرحمن ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن الأعمش ، عن خيثمة ، قال : قال عبد الله : الأرض كلها يوم القيامة نار ، والجنة من ورائها ترى كواعبها وأكوابها ، ويلجم الناس العرق ، أو يبلغ منهم العرق ، ولم يبلغوا الحساب .

وقال آخرون : بل تبدّل الأرض أرضا من فضة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت المغيرة بن مالك يحدّث عن المجاشع أو المجاشعي ، شكّ أبو موسى عمن سمع عليّا يقول في هذه الاَية : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : الأرض من فضة ، والجنة من ذهب .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن شعبة ، عن المغيرة بن مالك ، قال : ثني رجل من بني مجاشع ، يقال له عبد الكريم أو ابن عبد الكريم قال : ثني هذا الرجل أراه بسمرقند ، أنه سمع عليّ بن أبي طالب قرأ هذه الاَية : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : الأرض من فضة ، والجنة من ذهب .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن مغيرة بن مالك ، عن رجل من بني مجاشع ، يقال له عبد الكريم أو يكنى أبا عبد الكريم قال : أقامني على رجل بخراسان ، فقال : حدثني هذا أنه سمع عليّ بن أبي طالب ، فذكر نحوه .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ . . . الاَية ، فزعم أنها تكون فضة .

حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سنان بن سعد ، عن أنس بن مالك قال : يبدّلها الله يوم القيامة بأرض من فضة .

وقال آخرون : يبدّلها خبزة . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو سعيد بن دلّ من صغانيان ، قال : حدثنا الجارود بن معاذ الترمِذِيّ ، قال : حدثنا وكيع بن الجرّاح ، عن عمر بن بشر الهمداني ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : تبدّل خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ، أو عن محمد بن قيس : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : خبزة يأكل منها المؤمنون من تحت أقدامهم .

وقال آخرون : تبدّل الأرض غير الأرض . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن كعب في قوله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ قال : تصير السموات جنانا ويصير مكان البحر النار . قال : وتبدّل الأرض غيرها .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ ، عن إسماعيل بن رافع المدنيّ ، عن يزيد ، عن رجل من الأنصار ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يُبَدّلُ اللّهُ الأرْضَ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتِ ، فَيَبْسُطُها ويَسْطَحُها ويَمُدّها مَدّ الأدِيمِ العُكاظِيّ ، لا تَرَى فيها عِوَجا وَلا أمْتا ، ثُمّ يَزْجُرُ اللّهُ الخَلْقَ زَجْرَةً ، فإذَا هُمْ فِي هذِهِ المُبَدّلَةِ فِي مِثْلِ مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الأُولى ، ما كانَ فِي بَطْنها فَفي بَطْنِها وَما كانَ على ظَهْرِها كانَ على ظَهْرِها ، وَذلكَ حينَ يَطْوِي السموَاتِ كَطَيّ السّجلّ للْكِتابِ ، ثُمّ يَدْحُو بهما ، ثُمّ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو بن قيس ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون الأودي ، قال : يجمع الناس يوم القيامة في أرض بيضاء ، لم يُعمل فيها خطيئة مقدار أربعين سنة يلجمهم العرق .

وقالت عائشة في ذلك ، ما :

حدثنا ابن أبي الشوارب وحميد بن مسعدة وابن بزيع ، قالوا : حدثنا يزيد بن زريع ، عن داود ، عن عامر ، عن عائشة ، قالت : قلت : يا رسول الله ، إذا بدّلَت الأرض غير الأرض ، وبرزوا الله الواحد القهّار ، أين الناس يومئذٍ ؟ قال : «عَلى الصّرَاطِ » .

حدثنا حميد بن مسعدة وابن بزيع ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا داود ، عن عامر ، عن عائشة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه .

حدثني إسحاق بن شاهين ، قال : حدثنا خالد ، عن داود ، عن عامر ، عن مسروق ، قال : قلت لعائشة : يا أمّ المؤمنين أرأيتِ قول الله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلّهِ الوَاحِد القَهّارِ أين الناس يومئذٍ ؟ فقالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : «عَلى الصّرَاطِ » .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا الحسن بن عنبسة الورّاق ، قال : حدثنا عبد الرحيم ، يعني ابن سليمان الرازي عن داود بن أبي هند ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن قول الله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قلت : يا رسول الله ، إذا بُدّلت الأرض غير الأرض ، أين يكون الناس ؟ قال : «عَلى الصّرَاطِ » .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عاصم بن عليّ ، قال : حدثنا إسماعيل بن زكريا ، عن داود ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة بنحوه .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن عامر ، عن عائشة أمّ المؤمنين قالت : أنا أوّل الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الاَية » ثم ذكر نحوه .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا ربعيّ بن إبراهيم الأسدي أخو إسماعيل بن إبراهيم ، عن داود بن أبي هند ، عن عامر ، قال : قالت عائشة : يا رسول الله ، أرأيت إذا بُدّلت الأرض غير الأرض ، أين الناس يومئذٍ ؟ قال : «عَلى الصّراط » .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عليّ بن الجَعْد ، قال : أخبرني القاسم ، قال : سمعت الحسن ، قال : قالت عائشة : يا رسول الله يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ فأين الناس يومئذٍ ؟ قال : «إنّ هذَا الشّيْءَ ما سألَنِي عَنْهُ أحَدٌ » ، قال : «عَلى الصّرَاطِ يا عائِشَةُ » .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، قال : ثني الوليد ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن حسان بن بلال المزنيّ ، عن عائشة : أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن قول الله : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ قال : قالت : يا رسول الله ، فأين الناس يومئذٍ ؟ قال : «لَقَدْ سألْتِني عَنْ شَيْءٍ ما سألَنِي عَنْهُ أحَدٌ مِنْ أُمّتِي ، ذَاكَ إذَا النّاسُ على جَسْرِ جَهَنّمَ » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ ذُكر لنا أن عائشة قالت : يا رسول الله : فأين الناس يومئذٍ ؟ فقال : «لَقَدْ سألْتِ عَنْ شَيْءٍ ما سألَنِي عَنْه أحَدٌ مِنْ أُمّتِي قَبْلَكِ » . قال : «هُمْ يَوْمَئِذٍ على جِسْرِ جَهَنّمَ » .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه ، إلاّ أنه قال : «عَلى الصّرَاطِ » .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أسماء ، عن ثوبان ، قال : سأل حبر من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أين الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض ؟ قال : «هُمْ فِي الظّلْمَةِ دُون الجَسْرِ » .

حدثني محمد بن عون ، قال : حدثنا أبو المغيرة ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا سعيد بن ثوبان الكلاعي ، عن أبي أيوب الأنصاريّ ، قال : أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم حبرٌ من اليهود ، وقال : أرأيت إذ يقول الله في كتابه : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ فأين الخلق عند ذلك ؟ قال : «أضْيافُ اللّهِ فَلَنْ يُعْجِزَهُمْ ما لَدَيْهِ » .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : معناه : يوم تبدّل الأرض التي نحن عليها اليوم يوم القيامة غيرَها ، وكذلك السموات اليوم تبدّل غيرها ، كما قال جلّ ثناؤه . وجائز أن تكون المبدلة أرضا أخرى من فضة ، وجائز أن تكون نارا وجائز أن تكون خبزا ، وجائز أن تكون غير ذلك ، ولا خبر في ذلك عندنا من الوجه الذي يجب التسليم له أيّ ذلك يكون ، فلا قول في ذلك يصحّ إلاّ ما دلّ عليه ظاهر التنزيل .

وبنحو ما قلنا في معنى قوله : والسّمَوَاتُ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ قال : أرضا كأنها الفضة والسّمَوَاتُ كذلك أيضا .

وقوله : وَبَرَزُوا لِلّهِ الوَاحِدِ القَهّارِ يقول : وظهروا لله المنفرد بالربوبية ، الذي يقهر كلّ شيء فيغلبه ويصرفه لما يشاء كيف يشاء ، فيحيي خلقه إذا شاء ، ويميتهم إذا شاء ، لا يغلبه شيء ، ولا يقهره من قبورهم أحياء لموقف القيامة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (48)

{ يوم تُبدّل الأرض غير الأرض } بدل من { يوم يأتيهم } أو ظرف للانتقام ، أو مقدر باذكر أو لا يخلف وعده . ولا يجوز أن ينتصب بمخلف لأن ما قبل أن لا يعمل فيما بعده . { والسماوات } عطف على الأرض وتقديره والسماوات غير السماوات ، والتبديل يكون في الذات كقولك : بدلت الدراهم دنانير وعليه قوله : { بدلناهم جلودا غيرها } وفي الصفة كقولك بدلت الحلقة خاتما إذا أذبتها وغيرت شكلها ، وعليه قوله : { يبدل الله سيئاتهم حسنات } ولآية تحتملهما ، فعن علي رضي الله تعالى عنه : تبدل أرضا من فضة وسماوات من ذهب ، وعن ابن مسعود وأنس رضي الله تعالى عنهما : يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها أحد خطيئة ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : هي تلك الأرض وإنما تغير صفاتها . ويدل عليه ما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال : " تبدل الأرض غير الأرض فتبسط وتمد مد الأديم العكاظي " { لا ترى فيها عوجا ولا أمتاً } واعلم أنه لا يلزم على الوجه الأول أن يكون الحاصل بالتبديل أرضا وسماء على الحقيقة ، ولا يبعد على الثاني أن يجعل الله الأرض جهنم والسماوات الجنة على ما أشعر به قوله تعالى { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين } وقوله : { إن كتاب الفجار لفي سجين } . { وبرزوا } من أجداثهم { لله الواحد القهار } لمحاسبته ومجازاته ، وتوصيفه بالوصفين للدلالة على أن الأمر في غاية الصعوبة كقوله : { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } فإن الأمر إذا كان لواحد غلاب لا يغالب فلا مستغاث لأحد إلى غيره ولا مستجار .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (48)

وقوله : { يوم تبدل الأرض } الآية ، { يوم } ظرف للانتقام المذكور قبله . ورويت في «تبديل الأرض » أقوال ، منها في الصحيح : أن الله يبدل هذه الأرض بأرض عفراء بيضاء كأنها قرصة نقي ، وفي الصحيح : أن الله يبدلها خبزة يأكل المؤمن منها من تحت قدميه{[7107]} . وروي أنها تبدل أرضاً من فضة . وروي : أنها أرض كالفضة من بياضها{[7108]} . وروي أنها تبدل من نار{[7109]} . وقال بعض المفسرين : تبديل الأرض : هو نسف جبالها وتفجير بحارها وتغييرها حتى لا يرى فيها عوج ولا أمت : فهذه حال غير الأولى ، وبهذا وقع التبديل .

قال القاضي أبو محمد : وسمعت من أبي رضي الله عنه : أنه روي : أن التبديل يقع في الأرض ، ولكن يبدل لكل فريق بما تقتضيه حاله ، فالمؤمن يكون على خبز يأكل منه بحسب حاجته إليه ، وفريق يكون على فضة - إن صح السند بها - وفريق الكفرة يكونون على نار . ونحو هذا مما كله واقع تحت قدرة الله تعالى .

وأكثر المفسرين على أن التبديل يكون بأرض بيضاء عفراء لم يعص الله فيها . ولا سفك فيها دم ، وليس فيها معلم لأحد ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «المؤمنون وقت التبديل في ظل العرش »{[7110]} ، وروي عنه أنه قال : «الناس وقت التبديل على الصراط »{[7111]} ، وروي أنه قال «الناس حينئذ أضياف الله فلا يعجزهم ما لديه »{[7112]} .

و { برزوا } مأخوذ من البراز ، أي ظهروا بين يديه لا يواريهم بناء ولا حصن . وقوله : { الواحد القهار } صفتان لائقتان بذكر هذه الحال .


[7107]:أخرج البخاري، ومسلم، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحد كم خبزته في السفرة نزلا لأهل الجنة . . . ) راجع البخاري ـ كتاب الرقاق ففيه بقية الحديث، وكذلك في الدر المنثور.
[7108]:أخرج البزار، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في البعث ـ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله: {يوم تبدل الأرض غير الأرض}، قال: (أرض بيضاء كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام، ولم يعمل فيها خطيئة). (الدر المنثور) و(فتح القدير).
[7109]:أخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: "الأرض كلها نار يوم القيامة و الجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها، والذي نفس عبد الله بيده إن الرجل ليفيض عرقا حتى يرشح في الأرض قدمه . . . الخ" (تفسير الطبري).
[7110]:الذي رواه الإمام أحمد في مسنده (5 ـ 300 ، 308) هو أن أبا قتادة كان له دين على أحد الناس، وكان المدين يختبىء منه، ثم علم ذات يوم أنه في البيت فناداه وسأله عن سبب اختفائه، فقال: إني معسر ـ فبكى أبو قتادة وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من نفس عن غريمه، أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة)، وليس لهذا صلة بالتبديل.
[7111]:أخرجه أحمد، ومسلم ، والترمذي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وابن مردويه ، والحاكم ـ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {يوم تبدل الأرض غير الأرض}، قلت: أين الناس يؤمئذ؟ قال: على الصراط. (الدر المنثور، وتفسير الطبري، وفتح القدير).
[7112]:أخرجه أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أيوب الأنصاري. (الدر المنثور).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (48)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يوم تبدل الأرض غير الأرض}، يقول: تبدل صورة الأرض التي عليها بنو آدم... {و} تبدل {والسماوات}... {وبرزوا لله}، يقول: وخرجوا من قبورهم، ولا يستترون من الله بشيء، في أرض مستوية مثل الأدم، ممدودة، ليس عليها جبل، ولا بناء، ولا نبت، ولا شيء، {الواحد} لا شريك له، {القهار}، يعني القاهر لخلقه...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: إن الله ذو انتقام "يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضِ غير الأرض والسّمَوَاتُ "من مشركي قومك يا محمد من قريش، وسائر من كفر بالله وجحد نبوّتك ونبوّة رسله من قبلك...

واختلف في معنى قوله: "يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ"؛

فقال بعضهم: معنى ذلك: يوم تبدّل الأرض التي عليها الناس اليوم في دار الدنيا غير هذه الأرض، فتصير أرضا بيضاء كالفضة... عن عبد الله أنه قال في هذه الآية: "يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ" قال: أرض كالفضة نقية لم يَسِل فيها دم، ولم يُعْمَل فيها خطيئة، يسمعهم الداعي، وينفُذُهم البصر، حُفاة عُراة قياما أحسب قال: كما خُلِقوا، حتى يلجمهم العرق قياما وَحْدَه...

وقال آخرون: تبدّل نارا...

وقال آخرون: بل تبدّل الأرض أرضا من فضة... وقال آخرون: يبدّلها خبزة...

وقال آخرون: تبدّل الأرض غير الأرض...حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ، عن إسماعيل بن رافع المدنيّ، عن يزيد، عن رجل من الأنصار، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يُبَدّلُ اللّهُ الأرْضَ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتِ، فَيَبْسُطُها ويَسْطَحُها ويَمُدّها مَدّ الأدِيمِ العُكاظِيّ، لا تَرَى فيها عِوَجا وَلا أمْتا، ثُمّ يَزْجُرُ اللّهُ الخَلْقَ زَجْرَةً، فإذَا هُمْ فِي هذِهِ المُبَدّلَةِ فِي مِثْلِ مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الأُولى، ما كانَ فِي بَطْنها فَفي بَطْنِها وَما كانَ على ظَهْرِها كانَ على ظَهْرِها، وَذلكَ حينَ يَطْوِي السموَاتِ كَطَيّ السّجلّ للْكِتابِ، ثُمّ يَدْحُو بهما، ثُمّ تُبَدّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ والسّمَوَاتُ»...

وقالت عائشة في ذلك، ما: حدثنا ابن أبي الشوارب وحميد بن مسعدة وابن بزيع، قالوا: حدثنا يزيد بن زريع، عن داود، عن عامر، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله، إذا بدّلَت الأرض غير الأرض، وبرزوا الله الواحد القهّار، أين الناس يومئذٍ؟ قال: «عَلى الصّرَاطِ»...

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معناه: يوم تبدّل الأرض التي نحن عليها اليوم يوم القيامة غيرَها، وكذلك السموات اليوم تبدّل غيرها، كما قال جلّ ثناؤه. وجائز أن تكون المبدلة أرضا أخرى من فضة، وجائز أن تكون نارا وجائز أن تكون خبزا، وجائز أن تكون غير ذلك، ولا خبر في ذلك عندنا من الوجه الذي يجب التسليم له أيّ ذلك يكون، فلا قول في ذلك يصحّ إلاّ ما دلّ عليه ظاهر التنزيل...

وقوله: "وَبَرَزُوا لِلّهِ الوَاحِدِ القَهّارِ" يقول: وظهروا لله المنفرد بالربوبية، الذي يقهر كلّ شيء فيغلبه ويصرفه لما يشاء كيف يشاء، فيحيي خلقه إذا شاء، ويميتهم إذا شاء، لا يغلبه شيء، ولا يقهره من قبورهم أحياء لموقف القيامة.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} يحتمل وجهين:

أحدهما: تبديل أهلها على ما يذكر الأرض والقرية، والمراد منها الأهل كقوله: {واسئل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها} (يوسف: 82)...

والثاني: تبديل نفس الأرض. ثم يحتمل كل واحد من الوجهين وجهين:

أحدهما: تبديل أهلها، هو أن يكونوا مستسلمين خاضعين له في ذلك، ولم يكونوا في الدنيا كذلك.

والثاني: تبديل أهلها، هو أن يكون الأولياء في النعم الدائمة واللذة الباقية، والأعداء في عذاب وألم وشدة، وكانوا في هذه الدنيا جميعا مشتركين، الأولياء والأعداء في اللذات والآلام.

فإن كان تبديل نفس الأرض، فهو يخرج على وجهين: أحدهما: تغيير زينتها وصفتها. والثاني: تبديل عينها وجوهرها، وهو ما ذكر أن أرض الجنة تكون من مسك وزعفران ونحو ما روي في الخبر، والله أعلم. كأن قوله: {يوم تبدل الأرض غير الأرض} صلة قوله: {فلا تحسبن الله مخلف وعده ورسله} الآية، فقالوا: متى يكون ذلك؟ فقال: {يوم تبدل الأرض} يخرج جوابا لسؤال، والله أعلم...

{وبروز لله} يحتمل (وجوها ثلاثة:

أحدها]: بروزا له مستسلمين خاضعين قائلين طائعين، ولم يكونوا في الدنيا كذلك.

والثاني: يبرزون له لما وعدوا، وأوعدوا، فهم بارزون لما دعوا إليه، ورغبوا فيه.

والثالث: يبرزون له لما لا يملكون إخفاء أنفسهم وسترها، بل ظاهرون له...

أو يبرزون له ليجزيهم على ما ذكر الله تعالى: {ليجزي الله كل نفس ما كسبت} (إبراهيم: 51) والله أعلم...

جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :

{يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات}، لا تظنن أن تلك الأرض مثل أرض الدنيا، بل لا تساويها إلا في الاسم، قال تعالى: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات}...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

المعنى: يوم تبدّل هذه الأرض التي تعرفونها أرضاً أخرى غير هذه المعروفة، وكذلك السموات. والتبديل: التغيير، وقد يكون في الذوات كقولك: بدّلت الدراهم دنانير ومنه {بدلناهم جُلُوداً غَيْرَهَا} [النساء: 56] و {بدّلناهم بجنتيهم جنتين} [سبأ: 16] وفي الأوصاف، كقولك: بدلت الحلقة خاتماً، إذا أذبتها وسويتها خاتماً، فنقلتها من شكل إلى شكل، ومنه قوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ يُبَدّلُ الله سَيّئَاتِهِمْ حسنات} [الفرقان: 70]...

فإن قلت: كيف قال {الواحد القهار}؟ قلت: هو كقوله {لّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16] لأنّ الملك إذا كان لواحد غلاب لا يغالب ولا يعازّ فلا مستغاث لأحد إلى غيره ولا مستجار، كان الأمر في غاية الصعوبة والشدّة...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{الواحد القهار} صفتان لائقتان بذكر هذه الحال...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن الله تعالى لما قال: {عزيز ذو انتقام} بين وقت انتقامه فقال: {يوم تبدل الأرض غير الأرض} وعظم من حال ذلك اليوم، لأنه لا أمر أعظم في العقول والنفوس من تغيير السموات والأرض...

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

روى مسلم عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك، وذكر الحديث، وفيه: فقال اليهودي أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في الظلمة دون الجسر). وذكر الحديث. وخرج عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله:"يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات" فأين الناس يومئذ؟ قال: (على الصراط). خرجه ابن ماجة بإسناد مسلم سواء، وخرجه الترمذي عن عائشة وأنها هي السائلة، قال: هذا حديث حسن صحيح، فهذه الأحاديث تنص على أن السماوات والأرض تبدل وتزال، ويخلق الله أرضا أخرى يكون الناس عليها بعد كونهم على الجسر. وفي صحيح مسلم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد)...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما تقررت عظمة ذلك اليوم الذي تشخص فيه الأبصار، وكان أعظم يوم يظهر فيه الانتقام، بينه بقوله: {يوم تبدل} أي تبديلاً غريباً عظيماً {الأرض} أي هذا الجنس {غير الأرض} أي التي تعرفونها {والسماوات} بعد انتشار كواكبها وانفطارها وغير ذلك من شؤونها... {وبرزوا} أي الظالمون الذين كانوا يقولون: إنهم لا يعرضون على الله للحساب؛ والبروز: ظهور الشخص مما كان ملتبساً به {لله} أي الذي له صفات الكمال {الواحد} الذي لا شريك له {القهار} الذي لا يدافعه شيء عن مراده، فصاروا بذلك البروز بحيث لا يشكون أنه لا يخفى منهم خافية، وأما المؤمنون فلم يزالوا يعلمون ذلك...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات).. ولا ندري نحن كيف يتم هذا، ولا طبيعة الأرض الجديدة وطبيعة السماوات، ولا مكانها؛ ولكن النص يلقي ظلال القدرة القادرة التي تبدل الأرض وتبدل السماوات؛ في مقابل ذلك المكر الذي مهما اشتد فهو ضئيل عاجز حسير. وفجأة نرى ذلك قد تحقق: (وبرزوا لله الواحد القهار).. وأحسوا أنهم مكشوفون لا يسترهم ساتر، ولا يقيهم واق. ليسوا في دورهم وليسوا في قبورهم. إنما هم في العراء أمام الواحد القهار.. ولفظة (القهار) هنا تشترك في ظل التهديد بالقوة القاهرة التي لا يقف لها كيد الجبابرة. وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

استئناف لزيادة الإنذار بيوم الحساب، لأن في هذا تبيين بعض ما في ذلك اليوم من الأهوال؛ فلك أن تجعل {يوم تبدل الأرض} متعلقاً بقوله: {سريع الحساب} قُدّم عليه للاهتمام بوصف ما يحصل فيه، فجاء على هذا النظم ليحصل من التشويق إلى وصف هذا اليوم لما فيه من التهويل. ولك أن تجعله متعلقاً بفعل محذوف تقديره: اذكُرْ يوم تبدل الأرض، وتجعل جملة {إن الله سريع الحساب} على هذا تذييلاً. ولك أن تجعله متعلقاً بفعل محذوف دل عليه قوله: {ليجزي الله كل نفس ما كسبت}. والتقدير يجزي اللّهُ كلّ نفس بما كسبت يومَ تبدل الأرض.. الخ. وجملة {إن الله سريع الحساب} تذييل أيضاً...

وتبديل الأرض والسماوات يوم القيامة: إما بتغيير الأوصاف التي كانت لها وإبطال النُظم المعروفة فيها في الحياة الدنيا، وإما بإزالتها ووجدان أرض وسماوات أخرى في العالم الأخروي. وحاصل المعنى استبدال العالم المعهود بعالم جديد...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

هكذا تبدل الأشياء، وتتبدل الأحوال، فبعد أن كان الظلم في الأرض بغالب الحق فإذا الحق هو الأمر الذي لا يغالبه شيء. هذا يوم القيامة؛ ولذا قال تعالى: {وبرزوا لله الواحد القهار}، أي ظهروا وعلموا أنهم قد لقوا الله تعالى وقد كانوا يكذبون لقاء الله، ويعجبون من أن يعودوا بعد أن يصيروا ترابا وعظاما، ولكنه لقاء لا يسرهم، إنا هو لقاء القهار لعقابهم؛ ولذلك ذكر سبحانه وتعالى بوصفه الرهيب عندهم الذي ينقض اعتقادهم الباطل فقال: {لله الواحد القهار}، ولفظ {لله} يلقى وحده المهابة في نفوسهم بعد إنكارهم لقاءه، ووصفه ب {الواحد} ليعرفوا أن شركهم كان باطلا، وأنه وحده الحكم العدل، فلا شفاعة لأحد، ولا لأوثانهم، و {القهار} صيغة مبالغة من القهر، أي أنه سبحانه وتعالى وحده الذي سيوفيهم جزاءهم مقهورين مغلوبين...

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

{يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} إشارة إلى ما يعتور الكون من تغيير وانقلاب لا يبقى معهما على صورته المألوفة، وذلك عند قيام الساعة...