جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (90)

القول في تأويل قوله تعالى : { يََأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ } . .

وهذا بيان من الله تعالى ذكره للذين حرّموا على أنفسهم النساء والنوم واللحم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم تشبها منهم بالقسيسين والرهبان ، فأنزل الله فيهم على نبيه صلى الله عليه وسلم كتابه ، ينهاهم عن ذلك ، فقال : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرّمُوا طَيّباتِ ما أحَلّ اللّهُ لَكُمْ فنهاهم بذلك عن تحريم ما أحلّ الله لهم من الطيبات . ثم قال : ولا تعتدوا أيضا في حدودي ، فتحلوا ما حرّمت عليكم ، فإن ذلك لكم غير جائز كما غير جائز لكم تحريم ما حللت ، وإني لا أحبّ المعتدين . ثم أخبرهم عن الذي حرّم عليهم مما إذا استحلوه ، وتقدّموا عليه كانوا من المعتدين في حدوده ، فقال لهم : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ، إن الخمر التي تشربونها والميسر الذي تتياسرونه والأنصاب التي تذبحون عندها والأزلام التي تستقسمون بها رِجْسٌ يقول : إثم ونَتْن ، سخِطه الله وكرهه لكم مِنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ يقول : شربكم الخمر ، وقماركم على الجُزُر ، وذبحكم للأنصاب ، واستقسامكم بالأزلام من تزيين الشيطان لكم ، ودعائه إياكم إليه ، وتحسينه لكم ، لا من الأعمال التي ندبكم إليها ربكم ، ولا مما يرضاه لكم ، بل هو مما يسخطه لكم . فاجْتَنِبُوهُ يقول : فاتركوه وارفضوه ، ولا تعملوه . لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ يقول : لكي تنجحوا فتدركوا الفلاح عند ربكم ، بترككم ذلك . وقد بينا معنى الخمر والميسر والأزلام فيما مضى فكرهنا إعادته . وأما الأنصاب ، فإنها جمع نصب ، وقد بينا معنى النصب بشواهده فيما مضى .

ورُوِي عن ابن عباس في معنى الرجس في هذا الموضع ، ما :

حدثني به المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ يقول : سخط .

وقال ابن زيد في ذلك ، ما :

حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : رِجْسٌ مِنَ عَمَلِ الشّيْطانِ قال : الرجس : الشرّ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (90)

{ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب } أي الأصنام التي نصبت للعبادة . { والأزلام } سبق تفسيرها في أول السورة . { رجس } قذر تعاف عنه العقول ، وأفرده لأنه خبر للخمر ، وخبر المعطوفات محذوف أو لمضاف محذوف كأنه قال : إنما تعاطي الخمر والميسر . { من عمل الشيطان } لأنه مسبب عن تسويله وتزيينه . { فاجتنبوه } الضمير للرجس أو لما ذكر أو للتعاطي . { لعلكم تفلحون } لكي تفلحوا بالاجتناب عنه .

واعلم أنه سبحانه وتعالى أكد تحريم الخمر والميسر في هذه الآية ، بأن صدر الجملة ب{ إنما } وقرنهما بالأنصاب والأزلام ، وسماهما رجسا ، وجعلهما من عمل الشيطان تنبيها على أن الاشتغال بهما شر بحت أو غالب ، وأمر بالاجتناب عن عينهما وجعله سببا يرجى منه الفلاح .