جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{بَلۡ ظَنَنتُمۡ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِلَىٰٓ أَهۡلِيهِمۡ أَبَدٗا وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِي قُلُوبِكُمۡ وَظَنَنتُمۡ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِ وَكُنتُمۡ قَوۡمَۢا بُورٗا} (12)

القول في تأويل قوله تعالى : { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لّن يَنقَلِبَ الرّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَىَ أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنّ السّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } .

يقول تعالى ذكره لهؤلاء الأعراب المعتذرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند منصرَفه من سفره إليهم بقولهم : شَغَلَتْنا أمْوَالُنا وأهْلُونا ما تخلفتم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شخص عنكم ، وقعدتم عن صحبته من أجل شغلكم بأموالكم وأهليكم ، بل تخلفتم بعده في منازلكم ، ظنا منكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه سيهلكون ، فلا يرجعون إليكم أبدا باستئصال العدوّ إياهم وزيّن ذلك في قلوبكم ، وحسّن الشيطان ذلك في قلوبكم ، وصححه عندكم حتى حسُن عندكم التخلف عنه ، فقعدتم عن صحبته وَظَنَنْتُمْ ظَنّ السّوْءِ يقول : وظننتم أن الله لن ينصر محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه المؤمنين على أعدائهم ، وأن العدوّ سيقهرونهم ويغلبونهم فيقتلونهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : سَيَقُولُ لَكَ المُخَلّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ . . . إلى قوله : وكُنْتُمْ قَوْما بُورا قال : ظنوا بنبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم لن يرجعوا من وجههم ذلك ، وأنهم سيهلكون ، فذلك الذي خلفهم عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم .

وقوله : وكُنْتُمْ قَوْما بُورا يقول : وكنتم قوما هَلْكى لا يصلحون لشيء من الخبر . وقيل : إن البور في لغة أذرعات : الفاسد فأما عند العرب فإنه لا شيء . ومنه قول أبي الدرداء : فأصبح ما جمعوا بُورا أي ذاهبا قد صار باطلاً لا شيء منه ومنه قول حسّان بن ثابت :

لا يَنْفَعُ الطّولُ مِن نُوك القُلوب وقدْ *** يَهْدِي الإلَهُ سَبِيلَ المَعْشَرِ البُورِ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وكُنْتُمْ قَوْما بُورا قال : فاسدين .

وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وكُنْتُمْ قَوْما بُورا قال : البور الذي ليس فيه من الخير شيء .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وكُنْتُمْ قَوْما بُورا قال : هالكين .