روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{بَلۡ ظَنَنتُمۡ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِلَىٰٓ أَهۡلِيهِمۡ أَبَدٗا وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِي قُلُوبِكُمۡ وَظَنَنتُمۡ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِ وَكُنتُمۡ قَوۡمَۢا بُورٗا} (12)

وقال شيخ الإسلام : إن قوله تعالى : { بَلْ ظَنَنْتُمْ } الخ بدل من { كَانَ الله } الخ مفسر لما فيه من الإبهام . وفي «البحر » أنه بيان للعلة في تخلفهم أي بل ظننتم { أَن لَّن يَنقَلِبَ } أي لن يرجع من ذلك السفر { الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ } أي عشائرهم وذوي قرباهم { أَبَدًا } بأن يستأصلهم المشركون بالمرة فحسبتم إن كنتم معهم أن يصيبكم ما يصيبهم فلأج ذلك تخلفتم لا لما ذكرتم من المعاذير الباطلة . والأهلون جمع أهل وجمعه جمع السلامة على خلاف القياس لأنه ليس بعلم ولا صفة من صفات من يعقل ويجمع على أهلات بملاحظة تاء التأنيث في مفرده تقديراً فيجمع كتمرة وتمرات ونحوه أرض وأرضات ، وقد جاء على ما في «الكشاف » أهلة بالتاء ويجوز تحريك عينه أيضاً فيقال : اهلات بفتح الهاء ، وكذا يجمع على أهال كليال ، وأطلق عليه الزمخشري اسم الجمع ؛ وقيل : وهو إطلاق منه في الجمع الوارد على خلاف القياس وإلا فاسم الجمع شرطه عند النحاة أن يكون على وزن المفردات سواء كان له مفرد أم لا .

وقرأ عبد الله { إلى أَهْلِهِمْ } بغير ياء ، والآية ظاهرة في أن { لَنْ } ليست للتأبيد ومن زعم إفادتها إياه جعل { أَبَدًا } للتأكيد { وَزُيّنَ } أي حسن { ذلك } أي الظن المفهوم من ظننتم { فِي قُلُوبِكُمْ } فلم تسعوا في إزالته فتمكن فيكم فاشتغلتم بشأن أنفسكم غير مبالين بالرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ؛ وقيل : الإشارة إلى المظنون وهو عدم انقلاب الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين إلى أهليهم أبداً أي حسن ذلك في قلوبكم فأحببتموه والمراد من ذلك تقريعهم ببغضهم الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين والمناسب للسياق ما تقدم . وقرئ { زُيّنَ } بالبناء للفاعل بإسناده إلى الله تعالى أو إلى الشيطان { وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء } وهو ظنهم السابق فتعريفه للعهد الذكرى وأعيد لتشديد التوبيخ والتسجيل عليه بالسوء أو هو عام فيشمل ذلك الظن وسائر ظنونهم الفاسدة التي من جملتها الظن بعدم رسالته عليه الصلاة والسلام فإن الجازم بصحتها لا يحوم فكره حول ما ذكر من الاستئصال فذكر ذلك للتعميم بعد التخصيص .

{ وَكُنتُمْ } في علم الله تعالى الأزلي { قَوْماً بُوراً } أي هالكين لفساد عقيدتكم وسوء نيتكم مستوجبين سخطه تعالى وعقابه جل شأنه ، وقيل : أي فاسدين في أنفسكم وقلوبكم ونياتكم لا خير فيكم ، والظاهر على ما في «البحر » أن بوراً في الأصل مصدر كالهلك ولذا وصف به المفرد المذكر في قول ابن الزبعرى :

يا رسول المليك إن لساني *** راتق ما فتقت إذ أنا بور

والمؤنث حكى أبو عبيدة امرأة بور والمثنى والمجموع ، وجوز أن يكون جمع بائر كحائل وحول وعائذ وعوذ وبازل وبزل ، وعلى المصدرية هو مؤول باسم الفاعل ، وجوز أن تكون كان بمعنى صار أي وصرتم بذلك الظن قوماً هالكين مستوجبين السخط والعقاب والظاهر إبقاؤها على بابها والمضي باعتبار العلم كما أشرنا إليه ، وقيل : أي كنتم قبل الظن فاسدين .

ومن باب الاشارة : { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ } بل حسبتم أن لا يرجع العقل والقوى الروحانية من السالكين السائرين إلى جهاد النفس وطلب مغانم التجليات والانس إلى ما كانوا عليه من ادراك المصالح وتدبير حال المعاش وما تقتضيه هذه النشأة { وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء } بالله تعالى وشؤنه عز وجل { وَكُنتُمْ } في نفس الأمر { قَوْماً بُوراً } [ الفتح : 12 ] هالكين في مهالك الطبيعة وسوء الاستعداد