التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} (4)

وقوله - عز وجل - { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } تنزيه له - تعالى - عن الشبيه والنظير والمماثل .

والكفؤ : هو المكافئ والمماثل والمشابه لغيره في العمل أو في القدرة .

أى : ولم يكن أحد من خلقه مكافئاً ولا مشاكلا ولا مناظرا له - تعالى - في ذاته ، أو صفاته ، أو أفعاله ، فهو كما قال - تعالى - : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير } ، وبذلك نرى أن هذه السورة الكريمة قد تضمنت نفي الشرك بجميع ألوانه .

فقد نفى - سبحانه - عن ذاته التعددد بقوله : { الله أَحَدٌ } ، ونفى عن ذاته النقص والاحتياج بقوله : { الله الصمد } ، ونفى عن ذاته أن يكون والدا أو مولودا بقوله : { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } ، ونفى عن نفسه الأنداد والأشباه بقوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } .

كما نراها قد تضمنت الرد على المشركين وأهل الكتاب ، وغيرهم من أصحاب الفرق الضالة ، الذين يقولون بالتثليث ، وبأن هناك آلهة أخرى تشارك الله - تعالى - فى ملكه ، وبغير ذلك من الأقاويل الفاسدة والعقائد الزائفة . . - سبحانه وتعالى - عما يقولون علوا كبيرا .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} (4)

{ ولم يكن له كفوا أحد } أي ولم يكن أحد يكافئه أو يماثله من صاحبة أو غيرها ، وكان أصله أن يؤخر الظرف ؛ لأنه صلة كفوا ، لكن لما كان المقصود نفي المكافأة عن ذاته تعالى قدم تقديما للأهم ، ويجوز أن يكون حالا من المستكن في كفوا ، أو خبرا ، ويكون كفوا حالا من أحد ، ولعل ربط الجمل الثلاث بالعطف ؛ لأن المراد منها نفي أقسام المكافأة ، فهي كجملة واحدة منبهة عليها بالجمل ، وقرأ حمزة ويعقوب ونافع في رواية ( كفوا ) بالتخفيف ، وحفص ( كفوا ) بالحركة وقلب الهمزة واوا .

ختام السورة:

ولاشتمال هذه السورة مع قصرها على جميع المعارف الإلهية والرد على من ألحد فيها جاء في الحديث أنها تعدل ثلث القرآن ، فإن مقاصده محصورة في بيان العقائد والأحكام والقصص ، ومن عدلها بكله اعتبر المقصود بالذات من ذلك ، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلا يقرؤها فقال : " وجبت " . قيل : يا رسول الله ، وما وجبت ؟ قال : " وجبت له الجنة " .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} (4)

في معنى التذييل للجمل التي قبلها لأنها أعم من مضمونها لأن تلك الصفات المتقدمة صريحَها وكنايتها وضمنيَّها لا يشبهه فيها غيره ، مع إفادة هذه انتفاء شبيه له فيما عداها مثل صفات الأفعال كما قال تعالى : { إن الذين تدعون من دون اللَّه لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له } [ الحج : 73 ] .

والواو في قوله : { ولم يكن له كفؤاً } اعتراضية ، وهي واو الحال ، كالواو في قوله تعالى : { وهل يجازى إلا الكفور } [ سبأ : 17 ] فإنها تذييل لجملة { ذلك جَزَيْنَاهم بما كفروا } [ سبأ : 17 ] ، ويجوز كون الواو عاطفة إن جعلت الواو الأولى عاطفة فيكون المقصود من الجملة إثبات وصف مخالفته تعالى للحوادث وتكون استفادة معنى التذييل تبعاً للمعنى ، والنكت لا تتزاحم .

والكُفُؤ : بضم الكاف وضم الفاء وهمزة في آخره . وبه قرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر ، إلا أن الثلاثة الأولين حَققوا الهمزة وأبو جعفر سهَّلها ويقال : « كُفْء » بضم الكاف وسكون الفاء وبالهمز ، وبه قرأ حمزة ويعقوب ، ويقال : { كفواً } بالواو عوض الهمز ، وبه قرأ حفص عن عاصم وهي لغات ثلاث فصيحة .

ومعناه : المساوي والمماثل في الصفات .

و { أحد } هنا بمعنى إنسان أو موجود ، وهو من الأسماء النكرات الملازمة للوقوع في حيّز النفي .

وحصل بهذا جناس تام مع قوله : { قل هو الله أحد } .

وتقديم خبر ( كان ) على اسمها للرعاية على الفاصلة وللاهتمام بذكر الكُفؤ عقب الفعل المنفي ليكون أسبق إلى السمع .

وتقديم المجرور بقوله : { له } على متعلَّقه وهو { كفؤاً } للاهتمام باستحقاق الله نفي كفاءة أحد له ، فكان هذا الاهتمام مرجحاً تقديم المجرور على متعلَّقه وإن كان الأصل تأخير المتعلَّق إذا كان ظرفاً لغواً . وتأخيره عند سيبويه أحسن ما لم يقتض التقديمَ مقتضٍ كما أشار إليه في « الكشاف » .

ختام السورة:

وقد وردت في فضل هذه السورة أخبار صحيحة وحسنة استوفاها المفسرون . وثبت في الحديث الصحيح في « الموطأ » و« الصحيحين » من طرق عدة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " { قل هو اللَّه أحد } تعدل ثلث القرآن " .

واختلفت التأويلات التي تأول بها أصحاب معاني الآثار لهذا الحديث ويجمعها أربعة تأويلات :

الأول : أنها تعدل ثلث القرآن في ثواب القراءة ، أي تعدل ثلث القرآن إذا قُرىء بدونها حتى لو كررها القارىء ثلاث مرات كان له ثواب من قرأ القرآن كله .

الثاني : أنها تعدل ثلث القرآن إذا قرأها من لا يحسن غيرها من سورة القرآن .

الثالث : أنها تعدل ثلث معاني القرآن باعتبار أجناس المعاني لأنّ معاني القرآن أحكام وأخبار وتوحيد ، وقد انفردت هذه السورة بجمعها أصول العقيدة الإِسلامية ما لم يجمعه غيرها .

وأقول : إن ذلك كان قبل نزول آيات مثلها مثل آية الكرسي ، أو لأنه لا توجد سورة واحدة جامعة لما في سورة الإخلاص .

التأويل الرابع : أنها تعدل ثلث القرآن في الثواب مثل التأويل الأول ولكن لا يكون تكريرها ثلاث مرات بمنزلة قراءة ختمة كاملة .

قال ابن رشد في « البيان والتحصيل »{[1]} : أجمع العلماء على أن من قرأ : { قل هو اللَّه أحد } ثلاثَ مرات لا يساوي في الأجر من أحَيَا بالقرآن كله اه . فيكون هذا التأويل قيداً للتأويل الأول ، ولكن في حكايته الإِجماع على أن ذلك هو المراد نظر ، فإن في بعض الأحاديث ما هو صريح في أن تكريرها ثلاث مرات يعدل قراءة ختمة كاملة .

قال ابن رشد : واختلافهم في تأويل الحديث لا يرتفع بشيء منه عن الحديث الإِشكال ولا يتخلص عن أن يكون فيه اعتراض .

وقال أبو عمر بن عبد البر السكوت على هذه المسألة أفضل من الكلام فيها .


[1]:محمد بن علي البصري الشافعي المعتزلي المتوفى سنة 439هـ له كتاب "المعتمد في أصول الفقه".