وقوله - سبحانه - : { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ } متعلق بقوله : { يَأْتُوكَ } .
أى : يأتيك الناس راجلين وراكبين من كل مكان بعيد ، ليشهدوا وليحصلوا منافع عظيمة فهم فى دينهم وفى دنياهم .
ومن مظاهر منافعهم الدينية : غفران ذنوبهم ، وإجابة دعائهم ، ورضا الله - تعالى - عنهم .
ومن مظاهر منافعهم الدنيوية : اجتماعهم فى هذا المكان الطاهر ، وتعارفهم وتعاونهم على البر والتقوى ، وتبادلهم المنافع فيما بينهم عن طريق البيع والشراء وغير ذلك من أنواع المعاملات التى أحلها الله - تعالى - .
وجاء لفظ " منافع " بصيغة التنكير ، للتعميم والتعظيم والتكثير . أى : منافع عظيمة وشاملة لأمور الدين والدنيا ، وليس فى الإمكان تحديدها لكثرتها ، وقوله { وَيَذْكُرُواْ اسم الله في أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام } معطوف على قوله { لِّيَشْهَدُواْ } .
والمراد بالأيام المعلومات : الأيام العشر الأولى من شهر ذى الحجة ، أو هى أيام النحر ، أو يوم العيد وأيام التشريق .
والمراد ببهمية الأنعام : الإبل والبقر والغنم .
أى : ليشهدوا منافع لهم ، وليكثروا من ذكر الله ومن طاعته فى تلك الأيام المباركة . وليشكروه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام التى يتقربون إليه - سبحانه - عن طريق ذبحها وإراقة دمائها ، واستجابة لأمره - عز وجل - .
وقوله - سبحانه - : { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ البآئس الفقير } إرشاد منه - تعالى - إلى كيفية التصرف فيها بعد ذبحها .
أى : فكلوا من هذه البهيمة بعد ذبحها ، وأطعموا منها الإنسان البائس ، أى : الذى أصابه بؤس ومكروه بجانب فقره واحتياجه .
قال الآلوسى : والأمر فى قوله { فَكُلُواْ مِنْهَا .
. . } للإباحة بناء على أن الأكل كان منهيا عنه شرعا ، وقد قالوا : إن الأمر بعد المنع يقتضى الإباحة ويدل على سبق النهى قوله - صلى الله عليه وسلم - : " كنت نهيتكم عن أكل لحوم الأضاحى فكلوا منها وادخروا " .
وقيل : لأن أهل الجاهلية كانوا يتحرجون فيه ، أو للندب على مواساة الفقراء ومساواتهم فى الأكل منها .
{ ليشهدوا } ليحضروا . { منافع لهم } دينية ودنيوية ، وتنكيرها لأن المراد بها نوع من المنافع مخصوص بهذه العبادة . { ويذكروا اسم الله } عند إعداد الهدايا والضحايا وذبحها . وقيل كنى بالذكر عن النحر لأن ذبح المسلمين لا ينفك عنه تنبيها على أنه المقصود مما يتقرب به إلى الله تعالى . { في أيام معلومات هي } عشر ذي الحجة ، وقيل أيام النحر . { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } علق الفعل بالمرزوق وبينه بالبهيمة تحريضا على التقرب وتنبيها على مقتضى الذكر . { فكلوا منها } من لحومها أمر بذلك إباحة وإزالة لما عليه أهل الجاهلية من التحرج فيه ، أو ندبا إلى مواساة الفقراء ومساواتهم ، وهذا في المتطوع به دون الواجب . { وأطعموا البائس } الذي أصابه بؤس أي شدة . { الفقير } المحتاج ، والمر فيه للوجوب وقد قيل به في الأول .
و «المنافع » في هذه الآية التجارة في قول أكثر المتأولين ابن عباس وغيره ، وقال أبو جعفر محمد بن علي : أراد الأجر و { منافع } الآخرة ، وقال مجاهد بعموم الوجهين وقوله تعالى : { اسم الله } ، يصح أن يريد بالاسم ها هنا المسمى بمعنى ويذكروا الله على تجوز في هذه العبارة إلا أن يقصد ذكر القلوب ، ويحتمل أن يريد بالاسم التسميات وذكر الله تعالى إنما هو بذكر أسمائه ثم بذكر القلب السلطان والصفات ، وهذا كله على أن يكون الذكر بمعنى حمده وتقديسه شكراً على نعمته في الرزق ويؤيده قوله عليه السلام
«إنها أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى »{[8359]} ، وذهب قوم إلى أن المراد ذكر اسم الله تعالى على النحو والذبح ، وقالوا إن في ذكر «الأيام » دليلاً على أن الذبح في الليل لا يجوز ، وهو مذهب مالك وأصحاب الرأي ، وقال ابن عباس «الأيام المعلومات » هي أيام العشر ويوم النحر وأيام التشريق ، وقال ابن سيرين : بل أيام العشر فقط ، وقالت فرقة : أيام التشريق ، ذكره القتبي ، وقالت فرقة فيها مالك وأصحابه : بل المعلومات يوم النحر ويومان بعده وأيام التشريق الثلاثة هي معدودات فيكون يوم النحر معلوماً لا معدوداً واليومان بعده معلومان معدودان والرابع معدود لا معلوم ع وحمل هؤلاء على هذا التفصيل أنهم أخذوا ذكر { اسم الله } هنا على الذبح للأضاحي والهدي وغيره ، فاليوم الرابع لا يضحى فيه عند مالك وجماعة وأخذوا التعجل والتأخر بالنفر في الأيام المعدودات فتأمل هذا ، يبين لك قصدهم ، ويظهر أن تكون المعدودات والمعلومات بمعنى أن تلك الأيام الفاضلة كلها ويبقى أمر الذبح وأمر الاستعجال لا يتعلق بمعدود ولا بمعلوم وتكون فائدة قوله { معلومات } و { معدودات } [ البقرة : 184 ، آل عمران : 24 ] التحريض على هذه الأيام وعلى اغتنام فضلها أي ليست كغيرها فكأنه قال : هي مخصوصات فلتغتنم . وقوله ، { فكلوا } ندب ، واستحب أهل العلم للرجل أن يأكل من هديه وأضحيته وأن يتصدق{[8360]} بأكثرها مع تجويزهم الصدقة بالكل وأكل الكل ، و { البائس } الذي قد مسه ضر الفاقة وبؤسها ، يقال : بأس الرجل يبؤس{[8361]} وقد يستعمل فيمن نزلت به نازلة دهر وإن لم تكن فقراً ، ومنه قوله عليه السلام ، «لكن البائس سعد بن خولة »{[8362]} ، والمراد في هذه الآية أهل الحاجة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.