التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (48)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك بعض العلامات التى تدل على قرب قيام الساعة فقال - تعالى - : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات وَبَرَزُواْ للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ } .

والظرف { يوم } متعلق بمحذوف تقديره اذكر .

وقوله { تبدل } من التبديل بمعنى التغيير ، وهذا التغيير والتبديل لهما قد يكون فى ذواتهما كما فى قوله - تعالى - { إِنَّ الذين كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ العذاب . . } وقد يكون فى صفاتهما كقولك " بدلت الحلقة خاتما " وقد يكون فيهما معا وقد ذكر الإمام ابن كثير جملة من الأحاديث عند تفسيره لهذه الآية الكريمة فقال : " وقال الإمام أحمد ، حدثنا محمد بن عدى ، عن داود ، عن الشعبى ، عن مسروق ، عن عائشة أنها قالت : " أنا أول الناس سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض . . } قالت : قلت : أين الناس يومئذ يا رسول الله ؟ قال : على الصراط " .

وفى رواية أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لها : " لقد سألتنى عن شئ ما سألنى عنه أحد من أمتى ، ذاك أن الناس - يومئذ يكونون - على جسر جهنم " .

والمعنى : اذكر - أيها العاقل ، لتتعظ وتعتبر يوم يتغير هذا العالم المعهود بعالم آخر جديد ، يأتى به الله - تعالى - على حسب إرادته ومشيئته ويوم يخرج الخلائق جيمعا من قبورهم ليستوفوا جزاءهم ، وليجازوا على أعمالهم . من الله - تعالى - الواحد الأحد ، الذى قهر كل شئ وغلبه ، ودانت له الرقاب ، وخضعت له الألباب .

وختمت الآية الكريمة بهذين الوصفين لله - تعالى - للرد على المشركين الذين جعلوا مع الله آلهة أخرى يشركونها معه فى العبادة ، ويتوهمون أن هذه الآية سوف تدافع عنهم يوم القيامة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (48)

{ يوم تُبدّل الأرض غير الأرض } بدل من { يوم يأتيهم } أو ظرف للانتقام ، أو مقدر باذكر أو لا يخلف وعده . ولا يجوز أن ينتصب بمخلف لأن ما قبل أن لا يعمل فيما بعده . { والسماوات } عطف على الأرض وتقديره والسماوات غير السماوات ، والتبديل يكون في الذات كقولك : بدلت الدراهم دنانير وعليه قوله : { بدلناهم جلودا غيرها } وفي الصفة كقولك بدلت الحلقة خاتما إذا أذبتها وغيرت شكلها ، وعليه قوله : { يبدل الله سيئاتهم حسنات } ولآية تحتملهما ، فعن علي رضي الله تعالى عنه : تبدل أرضا من فضة وسماوات من ذهب ، وعن ابن مسعود وأنس رضي الله تعالى عنهما : يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها أحد خطيئة ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : هي تلك الأرض وإنما تغير صفاتها . ويدل عليه ما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال : " تبدل الأرض غير الأرض فتبسط وتمد مد الأديم العكاظي " { لا ترى فيها عوجا ولا أمتاً } واعلم أنه لا يلزم على الوجه الأول أن يكون الحاصل بالتبديل أرضا وسماء على الحقيقة ، ولا يبعد على الثاني أن يجعل الله الأرض جهنم والسماوات الجنة على ما أشعر به قوله تعالى { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين } وقوله : { إن كتاب الفجار لفي سجين } . { وبرزوا } من أجداثهم { لله الواحد القهار } لمحاسبته ومجازاته ، وتوصيفه بالوصفين للدلالة على أن الأمر في غاية الصعوبة كقوله : { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } فإن الأمر إذا كان لواحد غلاب لا يغالب فلا مستغاث لأحد إلى غيره ولا مستجار .