التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (113)

ثم بين - سبحانه - أنه لا يصح للنبى - صلى الله عليه وسلم - ولا للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين مهما بلغت درجة قرابتهم ، لأن رابطة العقيدة هي الوشيجة الأساسية فيما بينهم فقال - تعالى : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ . . . . مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } .

قال الفخر الرازى : اعلم أنه - تعالى - لما بين من أول هذه السورة إلى هذا الموضوع وجوب إظهر البراءة عن الكفار والمنافقين من جميع الوجوه ، بين في هذه الآية أنه تجب البراءة عن أمواتهم وإن كانوا في غاية القرب من الإِنسان ، كما أوجبت البراءة عن أحيائهم ، والمقصود منه بيان وجوب مقاطعتهم على أقصى الغايات ، والمنع من مواصلتهم بسبب الأسباب .

والمعنى : ما كان من شأن النبى - صلى الله عليه وسلم - ولا من شأن أصحابه المؤمنين ، أن يدعوا الله - تعالى - بأن يغفر للمشركين في حال من الأحوال ، ولو كان هؤلاء المشركون من أقرب أقربائهم { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ } أى : للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه ، أن هؤلاء المشركين من أصحاب الجحيم ، بسبب موتهم على الكفر ، وإصرارهم عليه ، وعدم اعترافهم بدين الإِسلام .

قال الآلوسى ما ملخصه : والآية على الصحيح " نزلت في أبى طالب ، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن المسيب بن حزن قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة ، دخل عليه النبى - صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبى أمية فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - أى عم ، قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله . فقال أبو جهل يا أبا طالب أترغب من ملة عبد المطلب ؟ فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه . وأبو جهل وعبد الله بن أمية يعاودانه بتلك المقالة . فقال ابو طالب آخر ما كلمهم : هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول : لا إله إلا الله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأستغفرون لك ما لم أنْهَ عن ذلك فنزلت : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والذين آمنوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ } الآية " .

ثم قال . واستبعد بعضهم ذلك ، لأن موت أبى طالب كان قبل الهجرة بثلاث سنين ، وهذه السورة من أواخر ما نزل بالمدينة .

وهذا الاستبعاد مستبعد ، لأنه لا بأس من أن يقال : كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لأبى طالب من ذلك الوقت إلى وقت نزول هذه الآية وعليه فلا يراد من قوله " فنزلت " في الخبر أن النزول كان عقيب القول بل يراد أن ذلك سبب النزول فحسب . فتكون الفاء للسببية لا للتعقيب .

وقال القرطبى : هذه الآية تضمنت قطع موالاة الكفار حيهم وميتهم ، فإن الله لم يجعل للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين . فطلب الغفران للمشرك مما لا يجوز ، وقال كثير من العلماء . بأنه لا بأس أن يدعو الرجل لأبويه الكافرين ما داما حيين ، فأما من مات على الكفر فقد انقطع عنه الرجاء فلا يدعى له .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (113)

{ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } روي : أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي طالب لما حضرته الوفاة : " قل كلمة أحتاج لك بها عند الله " فأبى فقال عليه الصلاة والسلام : " لا أزال أستغفر لك ما لم أنه عنه " فنزلت وقيل لما افتتح مكة خرج إلى الأبواء فزار قبر أمه ثم قام مستعبرا فقال : " إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي وأنزل علي الآيتين " . { ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } بأن ماتوا على الكفر ، وفيه دليل على جواز الاستغفار لأحيائهم فإنه طلب توفيقهم للإيمان وبه دفع النقيض باستغفار إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأبيه الكفار فقال : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه } .