السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (113)

واختلف في سبب نزول قوله تعالى :

{ ما كان للنبيّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى } فقال سعيد بن المسيب عن أبيه إنه نزل في شأن أبي طالب وذلك أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم جاء لعمه أبي طالب لما حضرته الوفاة فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أمية فقال : ( أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ) فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان عليه إلى تلك المقالة حتى قال أبو طالب : آخر ما كلمهم أنا على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال صلى الله عليه وسلم «والله لأستغفرن لك ما لم أنه عن ذلك » فنزل ذلك .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه : «قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة » قال : لولا يعيرني قريش يقولون : إنما حمله على ذلك الجزع ، لأقررت بها عينك فأنزل الله تعالى : { إنك لا تهدي من أحببت } ( القصص ، 56 ) الآية .

وقال بريدة لما قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم مكة أتى قبر أمّه آمنة فوقف عليه حتى حميت الشمس رجاء أن يؤذن له يستغفر لها فنزل { ما كان للنبيّ } الآية ، وقال أبو هريرة : زار النبيّ صلى الله عليه وسلم قبر أمّه آمنة فبكى وأبكى من حوله وقال : استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي واستأذنته أن أزورها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت ، وقال قتادة : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «لأستغفر لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه » فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت له : تستغفر لهما وهما مشركان ؟ فقال : استغفر إبراهيم عليه السلام لأبيه وهو مشرك فذكرت ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية .

وروى الطبراني بسنده عن قتادة قال : ذكر لنا أنّ رجالاً قالوا : يا نبيّ الله إنّ من آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الرحم ويفك العاني أفلا نستغفر لهم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( والله لأستغفرنّ لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه ) فأنزل الله تعالى { ما كان للنبيّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعدما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) أي : بأن ماتوا على الكفر قال البيضاوي : وفيه دليل على جواز الاستغفار لأحيائهم فإنه طلب توفيقهم للإيمان . وبه دفع النقض باستغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه الكافر فقال : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه }