غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (113)

111

ولما بين من أول السورة إلى هاهنا وجوب إظهار من المنافقين الكفرة الأحياء أراد أن يبين وجوب البراءة من أمواتهم أيضاً وإن كانوا أقارب فقال : { ما كان للنبي } ومعناه النهي أي ما صح له وما استقام وما ينبغي له ذلك . ثم علل المنع بقوله : { من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } لأنهم ماتوا على الشرك وقد قال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به } [ النساء : 116 ] فطلب غفرانهم جارٍ مجرى طلب إخلاف وعد الله ووعيده ، وفيه حط لمرتبة النبي حيث يدعو بما لا يستجاب له . وهذه العلة لا تختلف بأن يكونوا من الأباعد أو من الأقارب فلهذا بالغ فيه بقوله : { ولو كانوا أولي قربى } روى الواحدي بإسناده عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال : لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية - فقال : أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله . فقال أبو جهل وابن أبي أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به أنا على ملة عبد المطلب . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لأستغفرن لك ما لم أنه عنه فاستغفر له بعد ما مات فقال المسلمون : ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا ولذوي قراباتنا قد استغفر إبراهيم لأبيه ، وهذا محمد يستغفر لعمه فاستغفروا للمشركين فنزلت { ما كان للنبي } الآيتان . وقيل عن أبن عباس : لما افتتح صلى الله عليه وسلم مكة سأل أي أبويه أحدث به صلى الله عليه وسلم عهداً أي آخرهما موتاً ؟ فقيل : أمك آمنة . فزار صلى الله عليه وسلم قبرها ثم قام باكياً فقال : إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي فيه ونزل عليّ { ما كان للنبي } الآية . فقال بعضهم كصاحب الكشاف والحسين بن أبي الفضل : هذا أصح لأن هذه السورة في آخر القرآن نزولاً ، وكانت وفاة أبي طالب بمكة في أول الإسلام . ويمكن أن يوجه الأول بأنه صلى الله عليه وسلم لعله بقي مستغفراً إلى حين نزول الآية .

/خ119