التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ أُكُلُهَا دَآئِمٞ وَظِلُّهَاۚ تِلۡكَ عُقۡبَى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْۚ وَّعُقۡبَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٱلنَّارُ} (35)

ثم أعقب ذلك ببيان حسن عاقبة المؤمنين فقال : { مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا . . . } .

والمراد بالمثل هنا : الصفة العجيبة ، أى : صفة الجنة التي وعد الله إياها من اتقاه وصان نفسه عن كل مالا يرضيه ، أنها تجرى من تحت أشجارها ومساكنها الأنهار ، وأنها أكلها دائم ، أى : ما يؤكل فيها لا انقطاع لأنواعه " وظلها " كذلك دائم .

قال بعضهم : وجملة { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } خبر عن " مثل " باعتبار أنها من أحوال المضاف إليه ، فهى من أحوال المضاف لشدة الملابسة بين المتضايفين ، كما يقال : صفة زيد أسمر . وجملة " أكلها دائم " خبر ثان .

واسم الإِشارة في قوله : { تِلْكَ عقبى الذين اتقوا } يعود على الجنة التي أعدها الله - تعالى - للمتقين .

أى : تلك الجنة المنعوتة بما ذكر هي مآل المتقين الذين استقاموا على الطريق الحق ، وهى منتهى أمرهم .

أما مآل الكافرين ومنتهى أمرهم فهى النار ، وبئس القرار .

هذا ، وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ، جملة من الأحاديث في صفة الجنة فقال : وفى الصحيحين من حديث ابن عباس في صلاة الكسوف ، وفيه : " قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا من مقامك هذا ، ثم رأيناك تكعكعت - أى توقفت وأحجمت ؟ فقال : " إنى رأيت الجنة - أو أريت الجنة - فتناولت منها عنقودا ، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا " " .

وروى الطبرانى عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى " .

وبذلك ترى الآيات الكريمة قد ساقت من التوجيهات ما فيه التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه ، وما فيه أوضح الدلائل والبراهين وأبلغها عن وحدانية الله - تعالى - ووجوب إفراده بالعبادة ، وما فيه البشارة للمؤمنين ، والتهديد للكافرين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ أُكُلُهَا دَآئِمٞ وَظِلُّهَاۚ تِلۡكَ عُقۡبَى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْۚ وَّعُقۡبَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٱلنَّارُ} (35)

أي : صفتها ونعتها ، { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } أي : سارحة في أرجائها وجوانبها ، وحيث شاء أهلها ، يفجرونها تفجيرًا ، أي : يصرفونها كيف شاءوا وأين شاءوا ، كما قال تعالى : { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } [ محمد : 15 ] .

وقوله : { أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا } أي : فيها المطاعم{[15667]} والفواكه والمشارب ، لا انقطاع [ لها ]{[15668]} ولا فناء .

وفي الصحيحين ، من حديث ابن عباس في صلاة الكسوف ، وفيه قالوا : يا رسول الله ، رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ، ثم رأيناك تَكعْكعت فقال : " إني رأيت الجنة - أو : أريت الجنة - فتناولت منها عنقودا ، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا " . {[15669]} وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو خَيْثَمَةَ ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا عبيد الله ، حدثنا أبو عَقيل ، عن جابر قال : بينما نحن في صلاة الظهر ، إذ تقدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فتقدمنا ، ثم تناول شيئا ليأخذه ثم تأخر . فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب : يا رسول الله ، صنعت اليوم في الصلاة شيئا ما رأيناك كنت تصنعه . فقال : " إني عرضت علي الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة ، فتناولت منها قِطْفًا من عنب لآتيكم به ، فحيل بيني وبينه ، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا يَنْقُصونَه " . {[15670]}

وروى مسلم من حديث أبي الزبير ، عن جابر ، شاهدا لبعضه{[15671]} . وعن عتبة بن عبد السلمي : أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الجنة ، فقال : فيها عنب ؟ قال : " نعم " . قال : فما عِظَم العنقود ؟ قال : " مسيرة شهر للغراب الأبقع{[15672]} ولا يفتر " . رواه أحمد . {[15673]} وقال الطبراني : حدثنا معاذ بن المثنى ، حدثنا علي بن المديني ، حدثنا ريحان بن سعيد ، عن عبادة بن منصور ، عن أيوب ، عن أبي قِلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثَوْبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى " . {[15674]} وعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأكل أهل الجنة ويشربون ، ولا يمتخطون ولا يتغوّطون ولا يبولون ، طعامهم{[15675]} جُشَاء كريح المسك ، ويلهمون التسبيح والتقديس{[15676]} كما يلهمون النفس " .

رواه مسلم . {[15677]}

وروى الإمام أحمد والنسائي ، من حديث الأعمش ، عن ثمامة{[15678]} بن عقبة{[15679]} سمعت زيد بن أرقم قال : جاء رجل من أهل الكتاب فقال : يا أبا القاسم ، تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ؟ قال :نعم ، والذي نفس محمد بيده ، [ إن الرجل من أهل الجنة ]{[15680]} ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة " . قال : فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة ، وليس في الجنة أذى ؟ قال : " حاجة أحدهم رشح يفيض من جلودهم ، كريح المسك ، فيضمر بطنه " . {[15681]} وقال الحسن بن عرفة : حدثنا خلف بن خليفة ، عن حميد الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنك لتنظر إلى الطير في الجنة ، فيخر بين يديك مشويا{[15682]}-{[15683]} .

وجاء في بعض الأحاديث : أنه إذا فُرغ منه عاد طائرًا كما كان بإذن الله تعالى .

وقد قال تعالى : { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ } [ الواقعة : 32 ، 33 ] وقال { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا } [ الإنسان : 14 ] .

وكذلك ظلها لا يزول ولا يقلص ، كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا } [ النساء : 57 ] .

وقد تقدم في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة شجرة ، يسير الراكب المجد الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها " ، ثم قرأ : { وَظِلٍّ مَمْدُودٍ } [ الواقعة : 30 ] .

وكثيرا ما يقرن الله تعالى بين صفة الجنة وصفة النار ، ليرغب في الجنة ويحذّر من النار ؛ ولهذا لما ذكر صفة الجنة بما ذكر ، قال بعده : { تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ } كما قال تعالى : { لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ } [ الحشر : 20 ] .

وقال بلال بن سعد خطيب دمشق في بعض خطبه : عباد الله{[15684]} هل جاءكم مخبر يخبركم أن شيئا من عبادتكم{[15685]} تقبلت منكم ، أو أن شيئا من خطاياكم غفرت لكم ؟ { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ } [ المؤمنون : 115 ]{[15686]} والله لو عُجِّل لكم الثواب في الدنيا لاستقللتم كلكم ما افترض عليكم ، أو ترغبون{[15687]} في طاعة الله لتعجيل دنياكم ، ولا تنافسون في جنة { أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ } رواه ابن أبي حاتم .


[15667]:- في ت ، أ : "الطعام".
[15668]:- زيادة من ت.
[15669]:- صحيح البخاري برقم (748) وصحيح مسلم برقم (907).
[15670]:- ورواه أحمد في المسند (3/352) من طريق عبيد الله وحسين بن محمد ، عن عبيد الله به نحوه.
[15671]:- صحيح مسلم برقم (904).
[15672]:- في أ : "لا يقع".
[15673]:- المسند (4/184).
[15674]:- المعجم الكبير (2/102) وعباد بن منصور متكلم فيه.
[15675]:- في ت ، أ : "طعامهم ذلك".
[15676]:- في ت ، أ : "التسبيح والتكبير".
[15677]:- صحيح مسلم برقم (2835).
[15678]:- في هـ ، ت ، أ : "تمام" والتصويب من المسند.
[15679]:- في ت : "عقبة بن منبه".
[15680]:- زيادة من ت ، أ ، والمسند.
[15681]:- المسند (4/367).
[15682]:- في ت : "مستويا".
[15683]:- جزء الحسن بن عرفة برقم (22) وحميد الأعرج ضعيف وأورد الذهبي هذا الحديث في الميزان (1/614) من جملة مناكيره.
[15684]:- في أ : "الرحمن".
[15685]:- في ت ، أ : "أعمالكم".
[15686]:- في ت : "أم حسبتم" وهو خطأ.
[15687]:- في ت ، أ : "أترغبون".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ أُكُلُهَا دَآئِمٞ وَظِلُّهَاۚ تِلۡكَ عُقۡبَى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْۚ وَّعُقۡبَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٱلنَّارُ} (35)

وقوله تعالى : { مثل الجنة } الآية ، قال قوم : { مثل } معناه ، صفة ، وهذا من قولك : مثلت الشيء ، إذا وصفته لأحد وقربت عليه فهم أمره ، وليس بضرب مثل لها ، وهو كقوله : { وله المثل الأعلى }{[6976]} [ الروم : 27 ] أي الوصف الأعلى . ويظهر أن المعنى الذي يتحصل في النفس مثالاً للجنة هو جري الأنهار وأن أكلها دائم .

وراجعه عند سيبويه فقدر قبل ، تقديره : فيما يتلى عليكم أو ينص عليكم مثل الجنة{[6977]} . وراجعه عند الفراء قوله : { تجري } أي صفة الجنة أنها { تجري من تحتها الأنهار } ونحو هذا موجود في كلام العرب ، وتأول عليه قوم : أن { مثل } مقحم وأن التقدير : { الجنة التي وعد المتقون تجري } .

قال القاضي أبو محمد : وفي هذا قلق{[6978]} .

وقرأ علي بن أبي طالب وابن مسعود «أمثال الجنة » .

وقد تقدم غيره مرة معنى قوله : { تجري من تحتها الأنهار } وقوله : { أكلها } معناه : ما يؤكل فيها{[6979]} . و «العقبى » والعاقبة والعاقب : حال تتلو أخرى قبلها . وباقي الآية بين .

وقيل : التقدير في صدر الآية ، مثل الجنة جنة تجري - قاله الزجاج - فتكون الآية على هذا ضرب مثل لجنة النعيم في الآخرة{[6980]} .


[6976]:من الآية (27) من سورة (الروم)، ومثلها قوله تعالى في الآية (60) من سورة (النحل): {ولله المثل الأعلى}.
[6977]:عبارة أبي حيان هنا أدق من عبارة ابن عطية، فقد قال: "ارتفع [مثل] على الابتداء عند سيبويه، والخبر محذوف، أي: فيما قصصنا عليكم مثل الجنة، و {تجري من تحتها الأنهار} تفسير لذلك المثل". لأن ابن عطية يجعل عامل الرفع مقدرا عند سيبويه مع أنه هو الابتداء نفسه، هذا وقد أنكر أبو علي الفارسي أن يكون [مثل] بمعنى صفة، قال: "إنما معناه التشبيه، ألا تراه يجري مجراه في مواضعه ومتصرفاته؟، كقولهم: مررت برجل مثلك، كما تقول: مررت برجل شبهك، قال: ويفسد أيضا من جهة المعنى، لأننا حين نقول في شرح الآية: "صفة الجنة التي فيها أنهار" يكون كلاما غير مستقيم المعنى، لأن الأنهار في الجنة نفسها لا صفتها" ا هـ.، ولكن قيل ردا عليه: المثل بمعنى الصفة موجود كقوله تبارك وتعالى: {ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في الإنجيل}، و قوله: {ولله المثل الأعلى}.
[6978]:لأن إقحام الأسماء لا يجوز في القرآن، قال أبو حيان: وقد حكوا عن الفراء أن العرب تقحم كثيرا المثل والمثل، وأنه خرج على ذلك قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} فقال: أي: ليس هو كشيء.
[6979]:وفي الخبر: (إذا أخذت ثمرة عادت مكانها أخرى)، وقوله تعالى: (وظلها) أي: وظلها كذلك دائم، فحذف، أي: ثمرها لا ينقطع، وظلها لا يزول.
[6980]:معنى كلام الزجاج أن الله تعالى مثل لنا ما غاب عنا بما نراه، وأنكر أبو علي ذلك فقال: لا يخلو المثل على قوله أن يكون الصفة أو الشبه، وفي كلا الوجهين لا يصح ما قاله، لأنه إذا كان بمعنى الصفة لم يصح، لأنك إذا قلت: صفة الجنة جنة، فجعلت الجنة خبرا لم يستقم ذلك، لأن الجنة لا تكون الصفة، وكذلك أيضا شبه الجنة جنة، ألا ترى أن الشبه عبارة عن المماثلة التي بين المتماثلين، وهو حدث، والجنة غير حدث، فلا يكون الأول الثاني.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ أُكُلُهَا دَآئِمٞ وَظِلُّهَاۚ تِلۡكَ عُقۡبَى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْۚ وَّعُقۡبَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٱلنَّارُ} (35)

استئناف ابتدائي يرتبط بقوله : { الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم } [ سورة الرعد : 29 ] . ذُكر هنا بمناسبة ذكر ضدّه في قوله : { ولعذاب الآخرة أشق } [ الرعد : 34 ] .

والمثَل : هنا الصفة العجيبة ، قيل : هو حقيقة من معاني المثل ، كقوله تعالى : { ولله المثَل الأعلى } [ النحل : 60 ] ، وقيل : هو مستعار من المثَل الذي هو الشبيه في حالة عجيبة أطلق على الحالة العجيبة غير الشبيهة لأنها جديرة بالتشبيه بها .

وجملة { تجري من تحتها الأنهار } خبر عن { مَثَل } باعتبار أنها من أحوال المضاف إليه ، فهي من أحوال المضاف لشدة الملابسة بين المتضايفين ، كما يقال : صفة زيد أسمر .

وجملة { أكلها دائم } خبر ثان ، والأكل بالضم : المأكول ، وتقدم .

ودوام الظل كناية عن التفاف الأشجار بحيث لا فراغ بينها تنفذ منه الشمس ، كما قال تعالى : { وجنات ألفافاً } [ سورة النبأ : 16 ] ، وذلك من محامد الجنات وملاذّها .

وجملة { تلك عقبى الذين اتقوا } مستأنفة .

والإشارة إلى الجنة بصفاتها بحيث صارت كالمشاهدة ، والمعنى : تلك هي التي سمعتم أنها عقبى الدار للذين يوفون بعهد الله إلى قوله : { ويدرأون بالحسنة السيّئة إلى قوله فنعم عقبى الدار } [ سورة الرعد : 24 ] هي الجنة التي وعد المتّقون . وقد علم أن الذين اتقوا هم المؤمنون الصالحون كما تقدم . وأول مراتب التقوى الإيمان . وجملة { وعقبى الكافرين النار } مستأنفة للمناسبة بالمضادة . وهي كالبيان لِجملة { ولهم سوء الدار } .