الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ أُكُلُهَا دَآئِمٞ وَظِلُّهَاۚ تِلۡكَ عُقۡبَى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْۚ وَّعُقۡبَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٱلنَّارُ} (35)

{ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ } في دخولها اختلفوا في الرافع للمثل .

فقال الفراء : هو ابتداء وخبر على قوله { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } وقيل معنى المثل الصفة كقوله

{ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى } [ النحل : 60 ] أي الصفة العليا ، وقوله :{ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ } [ الفتح : 29 ]

ومجاز الآية صفة الجنة التي وعد المتقون أنّ الأنهار تجري من تحتها وكذا وكذا .

وقيل مثل وجه مجازها الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار ، والعرب تفعل هذا كثيراً بالمثل والمثل كقوله

{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] أي ليس هو كشيء .

وقيل معناه : { لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى } [ الرعد : 18 ] . قيل الجنة [ بدل ] منها .

قال مقاتل : معناه شبه الجنة التي وعد المتقون في الخير والنعمة والخلود والبقاء كشبه النار [ في العذاب و ] الشدّة والكرب .

{ أُكُلُهَا دَآئِمٌ } لا ينقطع ولا يفنى { وِظِلُّهَا } ظليل لا يزال وهذا رد على الجهمية ، حيث قالوا : إن نعيم الجنة يفنى ، { تِلْكَ عُقْبَى } يعني ما فيه

{ الَّذِينَ اتَّقَواْ } الجنة { وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ * وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ } يعني القرآن وهم أصحاب محمد { يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ } من القرآن { وَمِنَ الأَحْزَابِ } يعني الكفار الذين كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم اليهود والنصارى { مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ } وذلك أنهم آمنوا بسورة يوسف وقالوا إنها واطأت كتابنا وهذا قول مجاهد وقتادة .

وقال باقي العلماء : كان ذكر الرحمن في القرآن قليلا في بدء ما أنزل فلما أسلم عبدالله . ابن سلام وأصحابه : ساءهم قلّة ذكر الرحمن في القرآن ؛ لأن ذكر الرحمن في التوراة كثير فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك قوله الله تعالى

{ قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ } [ الإسراء : 110 ] الآية .

فقالت قريش حين نزلت هذه الآية : ما بال محمد كان يدعو إلى إله واحد فهو اليوم يدعو إلى إلهين : الله والرحمن ، ما نعرف الرحمن إلاّ رحمن اليمامة ، يعنون مسيلمة الكذاب فأنزل الله

{ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ } [ الأنبياء : 36 ]وهم يكفرون بالرحمن وفرح مؤمنو أهل الكتاب بذكر الرحمن فأنزل الله { وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ }