السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ أُكُلُهَا دَآئِمٞ وَظِلُّهَاۚ تِلۡكَ عُقۡبَى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْۚ وَّعُقۡبَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٱلنَّارُ} (35)

ولما ذكر تعالى عذاب الكفار في الدنيا والآخرة أتبعه بذكر ثواب المتقين بقوله تعالى : { مثل } ، أي : صفة { الجنة } ، أي : التي هي مقرهم { التي وعد المتقون } واختلف في إعراب ذلك على أقوال : الأوّل : قال سيبويه : { مثل الجنة } مبتدأ وخبره محذوف والتقدير فيما قصصناه عليك { مثل الجنة } . والثاني : قال الزجاج : { مثل الجنة جنة من صفتها كذا وكذا . والثالث : { مثل الجنة } مبتدأ وخبره . { تجري من تحتها الأنهار } كما تقول صفة زيد أسمر ، والرابع الخبر . { أكلها } ، أي : مأكولها { دائم } لأنه الخارج عن العادة ، فقد وصف الله تعالى الجنة بثلاثة أوصاف ، الأوّل : تجري من تحتها ، أي : من تحت قصورها وأشجارها الأنهار . الثاني : إن أكلها دائم لا ينقطع أبداً بخلاف جنة الدنيا . والثالث : قوله تعالى : { وظلها } ، أي : دائم ليس كظل الدنيا لا تنسخه الشمس ولا غيرها إذ ليس فيها شمس ولا قمر ولا ظلمة ، بل ظل ممدود لا ينقطع ولا يزول . ثم إنه تعالى لما وصف الجنة بهذه الصفات الثلاثة بيّن تعالى أنها للمتقين بقوله تعالى : { تلك } ، أي : الجنة العالية الأوصاف { عقبى } ، أي : آخر أمر { الذين اتقوا } ، أي : الشرك ، ثم كرر الوعيد للكافرين بقوله تعالى { وعقبى } ، أي : منتهى أمر { الكافرين النار } لا غير ، وفي ترتيب النظمين إطماع للمتقين وإقناط للكافرين .