وقوله - سبحانه - : { هُنَالِكَ الولاية لِلَّهِ الحق . . } تقرير وتأكيد للآية السابقة . ولفظ هنالك ظرف مكان .
وكلمة { الولاية } قرأها الجمهور بفتح الواو ، بمعنى الموالاة والصلة والنصرة كما قرأ الجمهور كلمة { الحق } بالجر على أنها نعت للفظ الجلالة .
فيكون المعنى : فى ذلك المقام وتلك الحال تكون الولاية - أى الموالاة والصلة - من كل الناس ، لله - تعالى - وحده إذ الكافر عندما يرى العذاب يعترف بوحدانية الله - تعالى - كما قال - سبحانه - { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قالوا آمَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } ويجوز أن يكون المعنى : فى ذلك المقام وتلك الحال تكون الولاية أى الموالاة لله - تعالى - وحده . فيوالى المؤمنين برحمته ومغفرته وينصرهم على أعدائهم . كما قال - سبحانه - { ذَلِكَ بِأَنَّ الله مَوْلَى الذين آمَنُواْ وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ } وقرأ حمزة والكسائى : { الولاية } بكسر الواو ، بمعنى الملك والسلطان كما قرأ أبو عمرو والكسائى لفظ { الحق } بالرفع على أنه نعت للولاية .
فيكون المعنى : فى ذلك المقام تكون الولاية الحق ، والسلطان الحق ، لله رب العالمين ، كما قال - سبحانه - : { الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن وَكَانَ يَوْماً عَلَى الكافرين عَسِيراً } قال بعض العلماء : وقوله { هنالك } يرى بعضهم أنه متعلق بما بعده ، والوقف تام على قوله { وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } .
ويرى آخرون أنه متعلق بما قبله .
فعلى القول الأول يكون الظرف { هنالك } عامله ما بعده أى : الولاية كائنة لله هنالك .
وعلى القول الثانى فالعامل فى الظرف اسم الفاعل الذى هو { منتصرا } . أى : لم يكن انتصاره واقعا هنالك .
وقوله - سبحانه - : { وَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً } أى : هو - عز وجل - خير إثابة وإعطاء لأوليائه ، وخير عاقبة لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى .
وعاقبة الأمر : آخره وما يصير إليه منتهاه . و { ثوابا } و { عقبا } منصوبان على التمييز ، بعد صيغة التفضيل { خير } التى حذفت منها الهمزة تخفيفا لكثرة الاستعمال كما قال ابن مالك - رحمه الله - :
{ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ } أي : عشيرة أو ولد ، كما افتخر بهم واستعز { يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ } اختلف القراء هاهنا ، فمنهم من يقف على قوله : { وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا هُنَالِكَ } أي : في ذلك الموطن الذي حل به عذاب الله ، فلا منقذ منه . ويبتدئ [ بقوله ]{[18193]} { الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ } ومنهم من يقف على : { وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا } ويبتدئ بقوله : { هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ } .
ثم اختلفوا في قراءة { الْوَلايَةُ } فمنهم من فتح الواو ، فيكون المعنى : هنالك الموالاة{[18194]} لله ، أي : هنالك{[18195]} كل أحد{[18196]} من مؤمن أو كافر{[18197]} يرجع إلى الله وإلى موالاته والخضوع له إذا وقع العذاب ، كقوله : { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } [ غافر : 84 ] وكقوله إخبارًا عن فرعون : { حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } [ يونس : 91 ، 90 ]
ومنهم من كسر الواو من { الْوَلايَةُ } أي : هنالك الحكم لله الحق .
ثم منهم من رفع { الْحَقِّ } على أنه نعت للولاية ، كقوله تعالى : { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا } [ الفرقان : 26 ]
ومنهم من خفض القاف ، على أنه نعت لله عز وجل ، كقوله : { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ } [ الأنعام : 62 ] ؛ ولهذا قال تعالى : { هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا } أي : جزاء { وَخَيْرٌ عُقْبًا } أي : الأعمال التي تكون لله ، عز وجل ، ثوابها خير ، وعاقبتها حميدة رشيدة ، كلها خير .
{ هُنالك } في ذلك المقام وتلك الحال . { الوَلاية لله الحق } النصرة له وحده لا يقدر عليها غير تقديرا لقوله { ولم تكن له فئة ينصرونه } أو نصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة كما نصر فيما فعل بالكافر أخاه المؤمن ويعضده قوله : { هو خير ثوابا وخير عُقباً } أي لأوليائه . وقرأ حمزة والكسائي بالكسر ومعناه السلطان والملك أي هناك السلطان له لا يغلب ولا يمنع منه ، أو لا يعبد غيره كقوله تعالى { فإذا ركبوا الفلك دعوا الله مخلصين له الدين } فيكون تنبيها على أن قوله { يا ليتني لم أشرك } كان عن اضطرار وجزع مما دهاه وقيل { هنالك } إشارة إلى الآخرة وقرأ أبو عمرو والكسائي { الحق } بالرفع صفة للولاية ، وقرئ بالنصب على المصر المؤكد ، وقرأ عاصم وحمزة " عُقباً " بالسكون ، وقرئ " عَقْبَى " وكلها بمعنى العاقبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.