التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجۡعَلَ ٱلۡخَبِيثَ بَعۡضَهُۥ عَلَىٰ بَعۡضٖ فَيَرۡكُمَهُۥ جَمِيعٗا فَيَجۡعَلَهُۥ فِي جَهَنَّمَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (37)

وقوله : { لِيَمِيزَ الله الخبيث مِنَ الطيب وَيَجْعَلَ الخبيث بَعْضَهُ على بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ } بيان لحكمته - سبحانه - في هزيمة الكافرين وحشرهم إلى جهنم .

وقوله : { فَيَرْكُمَهُ } أى : فيجمعه ويضم بعضه يقال : ركم الشئ يركمه ، إذا جمعه وألقى بعضه على بعضه . وارتكم الشئ وتراكم أى : اجتمع .

والمعنى : أنه - سبحانه - فعل ما فعل من خذلان الكافرين وحشرهم إلى جهنم ، ومن تأييد المؤمنين وفوزهم برضوانه ، ليتميز الفريق الخبيث وهو فريق الكافرين ، من الفريق الطيب وهو فريق المؤمنين ، فإذا ما تمايزوا جل - سبحانه - الفريق الخبيث منضما بعضه على بعض ، فيلقى به في جهنم جزاء خبثه وكفره . واللام في قوله { لِيَمِيزَ } متلعقة بقوله { يُغْلَبُونَ } أو بقوله { يُحْشَرُونَ } ويجوز أن يكون المراد بالخبيث ما أنفقه الكافرون من أموال للصد عن سبيل الله ، وبالطيب ما أنفقه المؤمنون من أموال لإِعلاء كلمة الله . وعليه تكون اللام في قوله { لِيَمِيزَ } متعلقة بقوله : { ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } أى : أنه - سبحانه - يميز هذه الأموال بعضها من بعض ، ثم يضم الأموال الخبيثة بعضها إلى بعض ، فيلقى بها بوأصحابها في جهنم .

والتعبير بقوله - سبحانه - { فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً } تعبير مؤثر بليغ ، لأنه يصور الفريق الخبيث كأنه لشدة تزاحمه وانضمام بعضه إلى بعض شئ متراكم مهمل ، يقذف به في النار بدون اهتمام أو اعتبار .

واسم الإِشارة في قوله : { أولئك هُمُ الخاسرون } يعود إلى هذا الفريق الخبيث ، أى : أولئك الكافرون الذين أنفقوا أموالهم في الصد عن سبيل الله هم الخاسرون لدنياهم وآخرتهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجۡعَلَ ٱلۡخَبِيثَ بَعۡضَهُۥ عَلَىٰ بَعۡضٖ فَيَرۡكُمَهُۥ جَمِيعٗا فَيَجۡعَلَهُۥ فِي جَهَنَّمَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (37)

وقوله تعالى : { لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } فيميز أهل السعادة من أهل الشقاء{[12931]} وقال السُّدِّي : يميز المؤمن من الكافر . وهذا يحتمل أن يكون هذا التمييز في الآخرة ، كما قال تعالى : { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } [ يونس : 28 ] ، وقال تعالى{ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } [ الروم : 14 ] ، وقال في الآية الأخرى : { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [ الروم43 ] ، وقال تعالى : { وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ } [ يس : 59 ] .

ويحتمل أن يكون هذا التمييز في الدنيا ، بما يظهر من أعمالهم للمؤمنين ، وتكون " اللام " معللة لما جعل الله للكفار من مال ينفقون في الصد عن سبيل الله ، أي : إنما أقدرناهم على ذلك ؛{ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } أي : من يطيعه بقتال أعدائه الكافرين ، أو يعصيه بالنكول عن ذلك كما قال تعالى : { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ } الآية [ آل عمران : 166 ، 167 ] ، وقال تعالى : { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ } الآية [ آل عمران : 179 ] ، وقال تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } [ آل عمران : 142 ]ونظيرتها في براءة أيضا .

فمعنى الآية على هذا : إنما ابتليناكم بالكفار يقاتلونكم ، وأقدرناهم على إنفاق الأموال وبذلها في ذلك ؛ ليتميز{[12932]} الخبيث من الطيب ، فيجعل الخبيث بعضه على بعض ، { فَيَرْكُمَهُ } أي : يجمعه كله ، وهو جمع الشيء بعضه على بعض ، كما قال تعالى في السحاب : { ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا } [ النور : 43 ]أي : متراكما متراكبا ، { فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } أي : هؤلاء هم الخاسرون في الدنيا والآخرة .


[12931]:في أ: "الشقاوة"
[12932]:في د، م: "ليميز الله".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجۡعَلَ ٱلۡخَبِيثَ بَعۡضَهُۥ عَلَىٰ بَعۡضٖ فَيَرۡكُمَهُۥ جَمِيعٗا فَيَجۡعَلَهُۥ فِي جَهَنَّمَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (37)

القول في تأويل قوله تعالى : { لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنّمَ أُوْلََئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : يحشر الله هؤلاء الذين كفروا بربهم ، وينفقون أموالهم للصدّ عن سبيل الله إلى جهنم ، ليفرّق بينهم وهم أهل الخبث كما قال وسماهم الخَبِيثَ ، وبين المؤمنين بالله وبرسوله ، وهم الطيبون ، كما سماهم جلّ ثناؤه . فميز جلّ ثناؤه بينهم بأن أسكن أهل الإيمان به وبرسوله جناته ، وأنزل أهل الكفر ناره .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لِيَمِيزَ اللّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ فميز أهل السعادة من أهل الشقاوة .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : ثم ذكر المشركين ، وما يصنع بهم يوم القيامة ، فقال : لِيَمِيزَ اللّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ يقول : يميز المؤمن من الكافر . فَيَجْعَلَ الخَبِيثَ بَعْضَهُ على بَعْضٍ .

ويعني جلّ ثناؤه بقوله : ويجعل الخَبِيثَ بَعْضَهُ على بَعْضٍ فيجعل الكفار بعضهم فوق بعض . فَيرْكُمَهُ جَمِيعا يقول : فنجعلهم ركاما ، وهو أن يجمع بعضهم إلى بعض حتى يكثروا ، كما قال جلّ ثناؤه في صفة السحاب : ثُمّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ ثُمّ يَجْعَلْهُ رُكاما : أي مجتعما كثيفا . وكما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَيرْكُمَهُ جَميعا قال : فيجمعه جميعا بعضه على بعض .

وقوله : فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنّمَ يقول : فيجعل الخبيث جميعا في جهنم ، فوحد الخبر عنهم لتوحيد قوله : لِيَمِيزَ اللّهُ الخَبِيثَ ، ثم قال : أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ فجمع ولم يقل : ذلك هو الخاسر ، فردّه إلى أوّل الخبر . ويعني ب «أولئك » الذين كفروا ، وتأويله : هؤلاء الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله هم الخاسرون . ويعني بقوله : الخَاسِرُونَ الذين غبنت صفقتهم وخسرت تجارتهم وذلك أنهم شروا بأموالهم عذاب الله في الاَخرة ، وتعجلوا بإنفاقهم إياها فيما أنفقوا من قتال نبيّ الله والمؤمنين به الخزي والذلّ .