التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأۡتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖ يُضَٰعَفۡ لَهَا ٱلۡعَذَابُ ضِعۡفَيۡنِۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (30)

ثم وجه - سبحانه - الخطاب إلى أمهات المؤمنين ، فأدبهن أكمل تأديب وأمرهن بالتزام الفضائل ، وباجتناب الرذائل ، لأنهن القدوة لغيرهن من النساء ، ولأنهن فى بيوتهن ينزل الوحى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال - تعالى - : { يانسآء النبي . . . . كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً } .

فقوله - سبحانه - { يانسآء النبي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ } نداء من الله تعالى - لهن . على سبيل الوعظ والارشاد والتأديب ، والعناية بشأنهن لأنهن القدوة لغيرهن ، والفاحشة : ما قبح من الأقوال والأفعال .

والمعنى : يا نساء النبى صلى الله عليه وسلم من يأت منكن بمعصية ظاهرة القبح ، يضاعف الله - تعالى - لها العقاب ضعيفين ، لأن المعصية من رفيع الشأن تكون أشد قبحا ، وأعظم جرما .

قال صاحب الكشاف : وإنما ضوعف عذابهن ، لأن ما قبح من سائر النساء ، كان أقبح منهن وأقبح ، لأن زيادة قبح المعصية ، تتبع زيادة الفضل والمرتبة . . وليس لأحد من النساء ، مثل فضل نساء النبى صلى الله عليه وسلم ولا على أحد منهن مثل ما لله عليهن من النعمة . . ولذلك كان ذم العقلاء للعاصى العالم : أشد منه للعاصى الجاهل ، لأن المعصية من العالم أقبح .

وقد روى عن زين العابدين بن على بن الحسين - رضى الله عنهم - أنه قال له رجل : إنكم أهل بيت مغفور لكم ، فغضب ، وقال نحن أحرى أن يجرى فينا ، ما أجرى الله - تعالى - على نساء نبيه صلى الله عليه وسلم من أن لمسيئنا ضعيفين من العذاب ، ولمحسننا ضعفين من الأجر .

وقوله - سبحانه - : { مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ . . . } جملة شرطية . والجملة الشرطية لا تقتضى وقوع الشرط ، كما فى قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ . . } وكما فى قوله - سبحانه - : { وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بببيان أن منزلتهن - رضى الله عنهن - لا تمنع من وقوع العذاب بهن فى حالة ارتكابهن لما نهى الله - تعالى - عنه ، فقال : { وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيراً } أى : وكان ذلك التضعيف للعذاب لهن ، يسيرا وهينا على الله ، لأنه - سبحانه - لا يصعب عليه شئ .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأۡتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖ يُضَٰعَفۡ لَهَا ٱلۡعَذَابُ ضِعۡفَيۡنِۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (30)

يقول تعالى واعظًا نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، واستقر{[23376]} أمرهن تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخبرهن{[23377]} بحكمهن [ وتخصيصهن ]{[23378]} دون سائر النساء ، بأن من يأت منهن بفاحشة مبينة - قال ابن عباس : وهي النشوز وسوء الخلق . وعلى كل تقدير فهو شرط ، والشرط لا يقتضي الوقوع كقوله تعالى : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] ، وكقوله : { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ الأنعام : 88 ] ، { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } [ الزخرف : 81 ] ، { لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [ الزمر : 4 ] ، فلما كانت محلَّتهن رفيعة ، ناسب أن يجعل الذنب لو وقع منهن مغلظا ، صيانة لجنابهن وحجابهن الرفيع ؛ ولهذا قال : { مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } .

قال مالك ، عن زيد بن أسلم : { يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } قال : في الدنيا والآخرة .

وعن ابن أبي نجيح [ عن مجاهد ]{[23379]} مثله .

{ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } أي : سهلا هينا .


[23376]:- في ت: "فاستقر.
[23377]:- في أ: "يخبرن".
[23378]:- زيادة من أ.
[23379]:- زيادة من ت ، ف ، أ.