التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُمۡ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُم مَّوۡبِقٗا} (52)

ثم ساقت السورة الكريمة مشهدا من مشاهد القيامة - يكشف عن سوء المصير الذى ينتظر الشركاء وينتظر المجرمين . فقال - تعالى - : { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ الذين زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ . . . } .

أى : واذكر - أيها العاقل - يوم يقول الله - تعالى - للمجرمين والكافرين على سبيل التوبيخ والتقريع : أيها الكافرون ، نادوا شركائى الذين زعمتم أنهم ينفعونكم ويشفعون لكم فى هذا الموقف العصيب { فدعوهم } أى : فأطاعوا أمر خالقهم ، ودعوا شركاءهم لكى يستغيثوا بهم { فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ } أى : فلم يجدوا منهم أدنى استجابة فضلا عن النفع أو العون .

وقوله : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } أى : وجعلنا بين الداعين والمدعوين مهلكا يشتركون فيه جميعا وهو جهنم .

فالموبق : اسم مكان من وبق وبوقا - كوثب وثوبا - أو وبق وبقا كفرح فرحا - إذا هلك . ويقال فلان أوبقته ذنوبه : أى أهلكته . ومنه قوله - تعالى - : { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } أى يهلكهن . ومنه الحديث الشريف : " كل يغدو فموبق نفسه " - أى ملهكها - ومنه أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم : " اجتنبوا السبع الموبقات " أى : المهلكات .

وقيل : الموبق اسم واد فى جهنم فرق الله به بينهم ، أى بين الداعين والمدعوين .

وقيل : كل حاجز بين شيئين فهو موبق .

قال ابن جرير - رحمه الله - بعد أن ذكر جملة من الأقوال فى ذلك : " وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب ، القول الذى ذكرناه من أن الموبق بمعنى المهلك وذلك أن العرب تقول فى كلامها : قد أوبقت فلانا إذا أهلكته . . " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُمۡ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُم مَّوۡبِقٗا} (52)

47

ثم يعرض مشهد من مشاهد القيامة يكشف عن مصير الشركاء ومصير المجرمين :

( ويوم يقول : نادوا شركائي الذين زعمتم . فدعوهم فلم يستجيبوا لهم . وجعلنا بينهم موبقا . ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ، ولم يجدوا عنها مصرفا ) . .

إنهم في الموقف الذي لا تجدي فيه دعوى بلا برهان . والديان يطالبهم أن يأتوا بشركائهم الذين زعموا ، ويأمرهم أن يدعوهم ليحضروا . . وإنهم لفي ذهول ينسون أنها الآخرة ، فينادون . لكن الشركاء لا يجيبون !

وهم بعض خلق الله الذين لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم شيئا في الموقف المرهوب . وقد جعل الله بين المعبودين وعبادهم مهلكة لا يجتازها هؤلاء ولا هؤلاء . . إنها النار ( وجعلنا بينهم موبقا ) .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُمۡ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُم مَّوۡبِقٗا} (52)

عطف على جملة { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } [ الكهف : 50 ] فيقدر : واذكر يوم يقول نادوا شركائي ، أو على جملة { ما أشهدتهم خلق السموات والأرض } [ الكهف : 51 ] ، فالتقدير : ولا أشهدت شركاءهم جميعاً ولا تنفعهم شركاؤهم يوم الحشر ، فهو انتقال من إبطال معبودية الشيطان والجن إلى إبطال إلهية جميع الآلهة التي عبدها دهماء المشركين مع بيان ما يعتريهم من الخيبة واليأس يومئذٍ . وقد سلك في إبطال إلهيتها طريق المذهب الكلامي وهو الاستدلال على انتفاء الماهية بانتفاء لوازمها ، فإنه إذا انتفى نفعها للذين يعبدونها استلزم ذلك انتفاء إلهيتها ، وحصل بذلك تشخيص خيبتهم ويأسهم من النجاة .

وقرأة الجمهور { يقول } بياء الغيبة وضمير الغائب عائد إلى الله تعالى لدلالة المقام عليه ، وقرأ حمزة { نقول } بنون العظمة .

واليوم الذي يقع فيه هذا القول هو يوم الحشر . والمعنى : يقول للمشركين ، كما دل عليه قوله : { الذين زعمتم } ، أي زعمتموهم شركائي . وقدم وصفهم بوصف الشركاء قبل فعل الزعم تهكماً بالمخاطبين وتوبيخاً لهم ، ثم أردف بما يدل على كذبهم فيما ادعوا بفعل الزعم الدال على اعتقاد باطل .

والنداء : طلب الإقبال للنصرة والشفاعة .

والاستجابة : الكلام الدال على سماع النداء والأخذُ في الإقبال على المنادي بنحو قول : لبيكم .

وأمره إياهم بمناداة شركائهم مستعمل في معناه مع إرادة لازمه وهو إظهار باطلهم بقرينة فعل الزعم . ولذلك لم يسعهم إلا أن ينادوهم حيث قال { فدعوهم } لطمعهم ، فإذا نادوهم تبين لهم خيبة طمعهم . ولذلك عطف فعل الدعاء بالفاء الدالة على التعقيب . وأتي به في صيغة المضي للدلالة على تعجيل وقوعه حينئذٍ حتى كأنه قد انقضى .

والموبق : مكان الوُبوق ، أي الهلاككِ . يقال : وبَق مثل وَعَد ووجل وورِث . والموبق هنا أريد به جهنم ، أي حين دعوا أصنامهم بأسمائهم كوَّن الله فيما بين مكانهم ومكان أصنامهم فَوهات جهنم ، ويجوز أن تكون جملة { وجعلنا بينهم موبقاً } جملة حال أي وقد جعلنا بينهم موبقاً تمهيداً لما بعده من قوله : { ورأى المجرمون النار } [ الكهف : 53 ] .