ثم ختم - سبحانه - سورة الأنبياء ببيان جانب من أحوال هذا الكون يوم القيامة ، وببيان سننه فى خلقه ، وببيان نعمه على عباده ، وببيان ما أمر به نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال - تعالى - : { يَوْمَ نَطْوِي . . . } .
قوله - سبحانه - : { يَوْمَ نَطْوِي السمآء كَطَيِّ السجل لِلْكُتُبِ . . } الظرف فيه منصوب بقوله - تعالى - قبل ذلك { لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر } أو بقوله - سحبانه - : { وَتَتَلَقَّاهُمُ الملائكة } وقوله : { نَطْوِي } من الطى وهو ضد النشر . والسجل : الصحيفة التى يكتب فيها .
والمراد بالكتب : ما كتب فيها من الألفاظ والمعانى ، فالكتب بمعنى المكتوبات . واللام بمعنى على .
والمعنى : إن الملائكة تتلقى هؤلاء الأخيار الذين سبقت لهم من الله - تعالى - الحسنى بالفرح والسرور ، يوم يطوى - سبحانه - السماء طيا مثل طى الصحيفة على ما فيها من كتابات .
وفى هذا التشبيه إشعار بأن هذا الطى بالنسبة لقدرته - تعالى - فى منتهى السهولة واليسر ، حيث شبه طيه السماء بطى الصحيفة على ما فيها .
وقيل : إن لفظ { السجل } اسم لملك من الملائكة ، وهو الذى يطوى كتب أعمال الناس بعد موتهم .
والإضافة فى قوله { كَطَيِّ السجل } من إضافة المصدر إلى مفعوله ، والجار والمجرور صفة لمصدر مقدر . أى : نطوى السماء طيا كطى الرجل أو الملك الصحيفة على ما كتب فيها .
وقرأ أكثر القراء السبعة : ( للكتاب ) بالإفراد . ومعنى القراءتين واحد لأن المراد به الجنس فيشمل كل الكتب .
وقوله - تعالى - : { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } بيان لصحة الإعادة قياسا على البدء ، إذ الكل داخل تحت قدرته - عز وجل - .
أى : نعيد أول خلق إعادة مثل بدئنا إياه ، دون أن ينالنا تعب أو يمسنا لغوب ، لأن قدرتنا لا يعجزها شىء : قال - تعالى - : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ . . } قال صاحب الكشاف : " وما أول الخلق حت يعيده كما بدأه ؟ قلت : أوله إيجاده من العدم ، فكما أوجده أولا عن عدم . يعيده ثانيا عن عدم " .
وقوله - تالى - : { وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } تأكيد للإعادة . ولفظ " وعدا " منصوب بفعل محذوف . و " علينا " فى موضع الصفة له .
أى : هذه الإعادة وعدنا بها وعدا كائنا علينا باختيارنا وإرادتنا ، إنا كنا محققين هذا الوعد ، وقادرين عليه ، والعاقل من يقدم فى دنياه العلم الصالح الذى ينفعه عند بعثه للحساب .
ويختم المشهد بمنظر الكون الذي آل إليه . وهو يشارك في تصوير الهول الآخذ بزمام القلوب ، وبزمام الكائنات كلها في ذلك اليوم العصيب :
( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ) . .
فإذا السماء مطوية كما يطوي خازن الصحائف صحائفه ؛ وقد قضي الأمر ، وانتهى العرض ، وطوي الكون الذي كان يألفه الإنسان . . وإذا عالم جديد وكون جديد :
( كما بدأنا أول خلق نعيده ) . . ( وعدا علينا إنا كنا فاعلين ) . .
قرأت فرقة «نطوي » بنون العظمة ، وقرأت فرقة «يَطوي السماء » بياء مفتوحة على معنى يطوي الله تعالى ، وقرأ فرقة «تُطوى السماءُ » بتاء مضمومة ورفع «السماءُ » على ما لم يسم فاعله ، واختلف الناس في { السجل } فقالت فرقة هو ملك يطوي الصحف ، وقالت فرقة { السجل } رجل كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ع وهذا كله وما شاكله ضعيف ، وقالت فرقة { السجل } الصحيفة التي يكتب فيها ، والمعنى { كطي السجل } أي كما يطوي السجل من أجل الكتاب الذي فيه ، فالمصدر مضاف إلى المفعول ويحتمل أن يكون المصدر مضافاً إلى الفاعل ، أي كما يطوي السجل الكتاب الذي فيه ، فكأنه قال { يوم نطوي السماء } كالهيئة التي فيها طي السجل للكتاب ، ففي التشبيه تجوز ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «السّجْل » بشد السين وسكون الجيم وتخفيف اللام وفتح أبو السمال السين فقرأ «السَّجل » وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جرير «السُّجُل » بضم السين وشدها وضم الجيم ، وقرأ الجمهور «للكتاب » ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «للكتب » وقوله تعالى : { كما بدأنا أول خلق نعيده } يحتمل معنيين : أحدهما أن يكون خبراً عن البعث أي كما اخترعنا الخلق أولاً على غير مثال ذلك كذلك ننشئهم تارة أخرى فنبعثهم من القبور ، والثاني أن يكون خبراً عن أن كل شخص يبعث يوم القيامة على هيئته التي خرج بها إلى الدنيا ، ويؤيد هذا التأويل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً كما بدأنا أول خلق نعيده »{[8285]} وقوله تعالى : { كما بدأنا } الكاف متعلقة بقوله { نعيده } ، وقوله { إنا كنا فاعلين } تأكيد للأمر بمعنى أن الأمر واجب في ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.