التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ} (24)

ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك جانبا من أقوالهم الباطلة فقال : { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدهر } .

أي : وقال هؤلاء المشركون على سبيل الجهل والعناد والجحود للحق ، ما الحياة إلا هذه الحياة الدنيوية التي نحياها فيها ، وليس هناك حياة سواها ، فنحن نموت ثم يحيا أولادنا من بعدنا أو يموت بعضنا ويحيا البعض الآخر إلى زمن معين ، أو نكون أمواتا فى أصلاب آبائنا ، ثم نحيا بعد ذلك عند الولادة .

{ وَمَا يُهْلِكُنَآ } عند انتهاء آجالنا { إِلاَّ الدهر } أي : إلا مرور الزمان ، وكر الأعوام وتقلب الشهور والأيام .

قال ابن كثير ما ملخصه " يخبر - تعالى - عن قول الدهرية من الكفار ، ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد : { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا } أي : ما ثَمَّ إلا هذه الدار ، يموت قوم ويعيش آخرون ، وما ثَمَّ معاد ولا قيامة . .

ولهذا قالوا : { وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدهر } - أي : إلا مرور الأيام والليالي - فكابروا المعقول وكذبوا المنقول . . .

وفي الحديث الصحيح - الذي رواه الشيخان وغيرهما - عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يقول الله - تعالى - : يؤذينى ابن آدم ، يسب الدهر ، وأنا الدهر ، بيدي الأمر ، أقلب ليله ونهاره " .

والمقصود من هذا الحديث النهي عن سب الدهر ، لأن الله - تعالى - هو الخالق له ، فمن يسب الدهر ، فكأنما سب الله - تعالى - لأنه - سبحانه - هو الذي يقلب الليالي والأيام .

وقد كان العرب في الجاهلية إذا ما أصابتهم شدة أو نكبة ، قالوا : يا خيبة الدهر ، فيسندون تلك الأفعال والمصائب إلى الدهر ويسبونه .

وقوله - تعالى - : { وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } رد عليهم فيما قالوه من أقوال باطلة تتعلق بإنكارهم للبعث والحساب .

أي : وليس لهم فيما زعموه من إنكارهم للبعث من علم مستند إلى نقل أو عقل ، إن هم إلا يظنون ظنا مبنيا على الوهم والضلال .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ} (24)

24

( وقالوا : ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ، وما يهلكنا إلا الدهر ، وما لهم بذلك من علم ، إن هم إلا يظنون ، وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا : ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين . قل : الله يحييكم ثم يميتكم ، ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه . ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) . .

هكذا كانوا ينظرون تلك النظرة القصيرة . الحياة في نظرهم هي هذا الشوط الذي يرونه في الدنيا رأي العين . جيل يموت وجيل يحيا ؛ وفي ظاهر الأمر لا تمتد إليهم يد بالموت ، إنما هي الأيام تمضي ، والدهر ينطوي ، فإذا هم أموات ؛ فالدهر إذن هو الذي ينهي آجالهم ، ويلحق بأجسامهم الموت فيموتون !

وهي نظرة سطحية لا تتجاوز المظاهر ، ولا تبحث عما وراءها من أسرار . وإلا فمن أين جاءت إليهم الحياة ؛ وإذا جاءت فمن ذا يذهب بها عنهم ? والموت لا ينال الأجسام وفق نظام محدد وعدد من الأيام معين ، حتى يظنوا أن مرور الأيام هو الذي يسلبهم الحياة . فالأطفال يموتون كالشيوخ والأصحاء يموتون كالمرضى . والأقوياء يموتون كالضعاف . ولا يصلح الدهر إذن تفسيراً للموت عند من ينظر إلى الأمر نظرة فاحصة ، ويحاول أن يعرف ، وأن يدرك حقيقة الأسباب .

لهذا يقول الله عنهم بحق :

( وما لهم بذلك من علم . إن هم إلا يظنون ) :

يظنون ظناً غامضاً واهياً ، لا يقوم على تدبر ، ولا يستند إلى علم ، ولا يدل على إدراك لحقائق الأمور . ولا ينظرون إلى ما وراء ظاهرتي الحياة والموت من سر يشهد بإرادة أخرى غير إرادة الإنسان ، وبسبب آخر غير مرور الأيام .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ} (24)

وقوله تعالى : { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا } الآية حكاية مقالة بعض قريش ، وهذه صنيفة دهرية من كفار العرب . ومعنى قولهم : ما في الوجود إلا هذه الحياة التي نحن فيها وليست ثم آخرة ولا بعث .

واختلف المفسرون في معنى قولهم : { نموت ونحيا } فقالت فرقة المعنى : نحن موتى قبل أن نوجد ، ثم نحيا في وقت وجودنا . وقالت فرقة : المعنى : { نموت } حين نحن نطف ودم ، ثم { نحيا } بالأرواح فينا ، وهذا قول قريب من الأول ، ويسقط على القولين ذكر الموت المعروف الذي هو خروج الروح من الجسد ، وهو الأهم في الذكر . وقالت فرقة المعنى نحيا ونموت ، فوقع في اللفظ تقديم وتأخير . وقالت فرقة : الغرض من اللفظ العبارة عن حال النوع ، فكأن النوع بجملته يقول : إنما نحن تموت طائفة وتحيا طائفة دأباً .

وقولهم : { وما يهلكنا إلا الدهر } أي طول الزمان هو المهلك ، لأن الآفات تستوي فيه كمالاتها ، فنفى الله تعالى علمهم بهذا وأعلم انها ظنون وتخرص تفضي بهم إلى الإشراك بالله تعالى . و { الدهر } والزمان تستعمله العرب بمعنى واحد . وفي قراءة ابن مسعود : «وما يهلكنا إلا دهر يمر » . وقال مجاهد : { الدهر } هنا الزمان ، وروى أبو هريرة عن النبي عليه السلام أنه قال : «كان أهل الجاهلية يقولون : إنما يهلكنا الليل والنهار »{[10278]} .

ويفارق هذا الاستعمال قول النبي عليه السلام : «لا تسبوا الدهر ، فإن الله تعالى هو الدهر »{[10279]} وفي حديث آخر : «قال الله تعالى يسب ابن آدم الدهر ، وأنا الدهر بيدي الليل والنهار »{[10280]} ومعنى هذا الحديث : فإن الله تعالى يفعل ما تنسبونه إلى الدهر وتسبونه بسبه . وإذا تأملت مثالات هذا في الكلام ظهرت إن شاء الله تعالى .


[10278]:أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه كما في (الدر المنثور):قال: كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يُهلكنا الليل والنهار، فقال الله في كتابه:{وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر}، وقال الله: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار).
[10279]:أخرجه البخاري في الأدب، ومسلم في الألفاظ، ومالك في الموطأ، وأحمد في مسنده(2-259، 275)، ولفظه كما في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا تُسموا العنب الكرم، ولا تقولوا: خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر). قال القرطبي:"وقد استدل بهذا الحديث من قال: إن الدهر من أسماء الله، وقال من لم يجعله من العلماء اسما: إنما خرج ردا على العرب في جاهليتها، فإنهم كانوا يعتقدون أن الدهر هو الفاعل...فقيل لهم ذلك، أين أن الله هو الفاعل لهذه الأمور التي يضيفونها إلى الدهر"اهـ بتصرف، وقد ذكر ابن عطية هذا موجزا ودقيقا في كلامه، واللفظ الذي اختاره ابن عطية للحديث هنا هو لفظ مسلم في صحيحه.
[10280]:أخرجه أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن جرير، وابن مردويه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه كما في الدر المنثور: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار). ونلاحظ أنه جزء من الحديث الأول الذي خرجناه في الهامش رقم(1) من الصفحة السابقة، ونلاحظ كذلك أن ابن عطية قال في تقديم هذا الحديث:"وفي حديث آخر".