التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

ثم يعرض - سبحانه - مشهدا من مشاهد هذا اليوم الهائل الشديد فيقول : { وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } .

وقوله : - سبحانه - من الجثُو وهو الجلوس على الركب بتحفز وترقب وخوف .

يقال : جثا فلان على ركبتيه يجثو جثوا وجثيا ، إذ برك على ركبتيه وأنامله فى حالة تحفز ، كأنه منتظر لما يكرهه .

أي : وترى - أيها العاقل - في هذا اليوم الذي تشيب من هوله الولدان ، كل أمة من الأمم متميزة عن غيرها ، وجاثية على ركبها ، مترقبة لمصيرها في تلهف وخوف ، فالجملة الكريمة تصور أهوال هذا اليوم ، وأحوال الناس فيه ، تصويرا بليغاً مؤثرا ، يبعث على الخوف الشديد من هذا اليوم ، وعلى تقديم العمل الصالح الذي ينفع صاحبه { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } وقوله { كُلَّ أُمَّةٍ } مبتدأ ، وقوله { تدعى إلى كِتَابِهَا } خبره .

أي : كل أمة تدعى إلى سجل أعمالها الذي أمر الله - تعالى - ملائكته بكتابته لتحاسب عليه .

وقوله : { اليوم تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } مقول لقول مقدر .

أي : ويقال لهم جميعا في هذا الوقت : اليوم تجدون جزاء أعمالكم التي كنتم تعملونها في الدنيا من خير أو شر . ويقال لهم - أيضا - : { هذا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

24

ثم ننظر من خلال الكلمات فإذا ساحة العرض الهائلة ، وقد تجمعت فيها الأجيال الحاشدة التي عمرت هذا الكوكب في عمره الطويل القصير ! وقد جثوا على الركب متميزين أمة أمة . في ارتقاب الحساب المرهوب . . وهو مشهد مرهوب بزحامه الهائل يوم تتجمع الأجيال كلها في صعيد واحد . ومرهوب بهيئته والكل جاثون على الركب . ومرهوب بما وراءه من حساب . ومرهوب قبل كل شيء بالوقفة أمام الجبار القاهر ، والمنعم المتفضل ، الذي لم تشكر أنعمه ولم تعرف أفضاله من أكثر هؤلاء الواقفين !

ثم يقال للجموع الجاثية المتطلعة إلى كل لحظة بريق جاف ونفس مخنوق . يقال لها :

( اليوم تجزون ما كنتم تعملون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

{ وترى كل أمة جاثية } مجتمعة من الجثوة وهي الجماعة ، أو باركة مستوفزة على الركب . وقرئ " جاذية " أي جالسة على أطراف الأصابع لاستيفازهم . { كل أمة تدعى إلى كتابها } صحيفة أعمالها . وقرأ يعقوب { كل } على أنه بدل من الأول وتدعى صفة أو مفعول ثان . { اليوم تجزون ما كنتم تعملون } محمول على القول .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

وقوله تعالى : { وترى كل أمة جاثية كل أمة } وصف حال القيامة وهولها . والأمة : الجماعة العظيمة من الناس التي قد جمعها معنى أو وصف شامل لها . وقال مجاهد : الأمة : الواحد من الناس ، وهذا قلق في اللغة ، وإن قيل في إبراهيم عليه السلام أمة{[10281]} ، وقالها النبي عليه السلام في قس بن ساعدة{[10282]} فذلك تجوز على جهة التشريف والتشبيه . و : { جاثية } معناه على الركب ، قاله مجاهد والضحاك ، وهي هيئة المذنب الخائف المعظم ، وفي الحديث : «فجثا عمر على ركبتيه »{[10283]} . وقال سلمان : في القيامة ساعة قدر عشر سنين يخر الجميع فيها جثاة على الركب .

وقرأ جمهور الناس : «كلُّ أمة » بالرفع على الابتداء . وقرأ يعقوب الحضرمي : «كلَّ أمة تدعى » بالنصب على البدل من «كل » الأولى ، إذ في «كل » الثانية إيضاح موجب الجثو . وقرأ الأعمش : «وترى كل أمة جاثية تدعى » بإسقاط { كل أمة } الثاني .

واختلف المتأولون في قوله : { إلى كتابها } فقالت فرقة : أراد { إلى كتابها } المنزل عليها فتحاكم إليه هل وافقته أو خالفته .

وقالت فرقة : أراد { إلى كتابها } الذي كتبته الحفظة على كل واحد من الأمة ، فباجتماع ذلك قيل له { كتابها } ، وهنا محذوف يدل عليه الظاهر تقديره : يقال لهم اليوم تجزون .


[10281]:جاء ذلك في قوله تعالى في الآية(120) من سورة النحل:{إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين}.
[10282]:قس بن ساعدة الإيادي، عده ابن شاهين وعبدان في الصحابة، وقال ابن حجر في الإصابة:"ذكره أبو علي بن السكن، وابن شاهين، وعبدان المروزي، وأبو موسى في الصحابة، وصرّح ابن السكن بأنه مات قبل البعثة"، وفي سيرة ابن سيد الناس أن الجارود ابن عبد الله وفد في قومه على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم، وسأله النبي صلوات الله وسلامه عليه: هل في جماعة وفد عبد القيس من يعرف قُسا؟ قال الجارود: كلنا نعرفه يا رسول الله، ثم أخذ يحكي خبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(على رسلك يا جارود، فلست أنساه بسوق عكاظ على جمل أورق، وهو يتكلم بكلام ما أزن أني أحفظه)، فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله فإني أحفظه، وهو: يا أيها الناس، اسمعوا وعوا، فإذا وعيتم فانتفعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت....الخ، وورود ذكره في كتاب المعمرين للسجستاني، وفي الأغاني للأصفهاني، وفي البيان والتبيين للجاحظ، وفيه قال صلى الله عليه وسلم:(يحشر أمة وحده).
[10283]:جاء ذلك في حديث أخرجه ابن أبي الدنيا والبزار عن علي رضي الله عنه، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ فزبره رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا صلى الفجر رفع رأسه إلى السماء فقال: تبارك خالقها ورافعها ومبدلها وطاويها كطي السجل للكتاب، ثم تطلع إلى الأرض فقال: تبارك خالقها وواضعها ومبدلها وطاويها كطي السجل للكتاب، ثم قال: أين السائل عن الساعة؟ فجثا رجل من آخر القوم على ركبتيه، فإذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عند حيف الأئمة، وتكذيب بالقدر، وإيمان بالنجوم، وقوم يتخذون الأمانة مغنما، والزكاة مغرما، والفاحشة زيارة، فسألته عن الفاحشة زيارة، فقال: الرجلان من أهل الفسق يصنع أحدهما طعاما وشرابا، و]اتيه بالمرأة فيقول: اصنعي لي كما صنعت، فيتزاوران على ذلك، قال: فعند ذلك هلكت أمتي يا ابن الخطاب.(الدر المنثور)، ومعنى زبره: زجره ونهاه. وقد ورد في حديث آخر أخرجه البخاري عن أبي الدرداء أن شيئا كان بين أبي بكر وعمر ابن الخطاب رضي الله عنهما، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد غضب وتغير وجهه على عمر، فجثا أبو بكر على ركبتيه شفقة على عمر من غضب النبي صلى الله عليه وسلم.