التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (33)

ويترامى على مسامع يوسف - عليه السلام - هذا التهديد السافر . . فيلجأ إلى ربه مستجيرا به ، ومحتميا بحماه ويقول : { قَالَ رَبِّ السجن أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يدعونني إِلَيْهِ . . . }

أى : قال يوسف - عليه السلام - متضرعا إلى ربه - تعالى - يا رب السجن الذي هددتنى به تلك المرأة ومن معها ، أحب إلى ، وآثر عندي مما يدعوننى إليه من ارتكاب الفواحش .

وقال أحب إلى مما يدعوننى إليه ، ولم يقل مما تدعونى إليه امرأة العزيز ، لأنهن جميعا كن مشتركات في دعوته إلى الفاحشة سواء بطريق مباشر أو غير مباشر ، بعد أن شاهدن هيئته وحسنه ، وبعد أن سمعن ما قالته في شأنه ربة الدار . .

قال الآلوسى : " وإسناد الدعوة إليهن ، لأنهن خوفنه من مخالفتها ، وزين له مطاوعتها .

فقد روى أنهن قلن له أطع مولاتك ، واقض حاجتها ، لتأمن عقوبتها . . وروى أن كل واحدة منهن طلبت الخلوة به لنصيحته ، فلما خلت به دعته إلى نفسها . .

وقوله : { وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الجاهلين } واعتراف منه - عليه السلام - بضعفه البشرى الذي لا قدرة له على الصمود أمام الإِغراء ، إذا لم يكن معه عون الله - تعالى - وعنايته ورعايته .

و { أصب } من الصبوة وهى الميل إلى الهوى ، يقال : صبا فلان يصبو صبوا وصبوة ، إذا مال إلى شهوات نفسه واتبع طريق الشر ، ومنه ريح الصبا ، وهى التي تميل إليها النفوس لطيب نسيمها واعتدال هوائها .

والمعنى : وإلا تدفع عنى يا إلهى كيد هؤلاء النسوة ، ومحاولاتهن إيقاعى في حبائلهن ، أمل إليهن . وأطاوعهن على ما يردنه منى ، وأكن بذلك من الجاهلين السفهاء الذين يخضعون لأهوائهم وشهواتهم ، فيقعون في القبائح والمنكرات .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (33)

ويسمع يوسف هذا القول في مجتمع النساء المبهورات ، المبديات لمفاتنهن في مثل هذه المناسبات . ونفهم من السياق أنهن كن نساء مفتونات فاتنات في مواجهته وفي التعليق على هذا القول من ربة الدار ؛ فإذا هو يناجي ربه :

( قال : رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) . .

ولم يقل : ما تدعوني إليه . فهن جميعا كن مشتركات في الدعوة . سواء بالقول أو بالحركات واللفتات . . وإذا هو يستنجد ربه أن يصرف عنه محاولاتهن لإيقاعه في حبائلهن ، خيفة أن يضعف في لحظة أمام الإغراء الدائم ، فيقع فيما يخشاه على نفسه ، ويدعو الله أن ينقذه منه :

( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ) . .

وهي دعوة الإنسان العارف ببشريته . الذي لا يغتر بعصمته ؛ فيريد مزيدا من عناية الله وحياطته ، يعاونه على ما يعترضه من فتنة وكيد وإغراء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِيٓ إِلَيۡهِۖ وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (33)

{ قال رب السجن } وقرأ يعقوب بالفتح على المصدر . { أحب إليّ مما يدعونني إليه } أي آثر عندي من مؤاتاتها زناً نظرا إلى العاقبة وإن كان هذا مما تشتهيه النفس وذلك مما تكرهه ، وإسناد الدعوة إليهن جميعا لأنهن خوفنه من مخالفتها وزين له مطاوعتها . أو دعونه إلى أنفسهن ، وقيل إنما ابتلي بالسجن لقوله هذا وإنما كان الأولى به أن يسأل الله العافية ولذلك رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على من كان يسأل الصبر . { وإلا تصرف عني } وإن لم تصرف عني . { كيدهن } في تحبيب ذلك إلي وتحسينه عندي بالتثبيت على العصمة . { أصبُ إليهن } أمل إلى جانبهن أو إلى أنفسهن بطبعي ومقتضى شهوتي ، والصبوة الميل إلى الهوى ومنه الصبا لأن النفوس تستطيبها وتميل إليها . وقرئ { أصب } من الصبابة وهي الشوق . { وأكن من الجاهلين } من السفهاء بارتكاب ما يدعونني إليه فإن الحكيم لا يفعل القبيح ، أو من الذين لا يعملون بما يعلمون فإنهم والجهال سواء .