التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱسۡلُكۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٖ وَٱضۡمُمۡ إِلَيۡكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهۡبِۖ فَذَٰنِكَ بُرۡهَٰنَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (32)

ثم أمره - سبحانه - بأمر آخر فقال : { اسلك يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء . . } .

ولفظ { اسلك } من السلك - بتشديد السين مع الفتح - بمعنى إدخال الشىء فى الشىء .

أى : أدخل يدك يا موسى فى فتحة ثوبك ، تخرج بيضاء من غير سوء مرض أو عيب { واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب } والجناح : اليد ، والرهب : الخوف والفزع .

والمقصود بالجملة الكريمة { واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب } إرشاد موسى إلى ما يدخل الطمأنينة على قلبه ، ويزيل خوفه .

والمعنى : افعل يا موسى ما أمرناك به ، فإذا أفزعك أمر يدك وما تراه من بياضها وشعاعها ، فأدخلها فى فتحة ثوبك ، تعد إلى حالتها الأولى .

وإذا انتابك خوف عند معاينة الحية ، فاضمم يدك إلى صدرك ، يذهب عنك الخوف .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت ما معنى قوله : { واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب } ؟ قلت : فيه معنيان ، أحدهما : أن موسى - عليه السلام - لما قلب الله العصا حية فزع واضطرب ، فاتقاها بيده ، كما يفعل الخائف من الشىء ، فقيل له : إن اتقاءك بيدك فيه غضاضة - أى منقصة - عند الأعداء فإذا ألقيتها فعندما تنقلب حية ، فأدخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها ، ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران : اجتناب ما هو غضاضة عليك ، وإظهار معجزة أخرى .

والثانى : أن يراد بضم جناحة إليه ، تجلده وضبطه نفسه ، وتشدده عند انقلاب العصا حية ، حتى لا يضطرب ولا يرهب . . .

واسم الإشارة فى قوله ، فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه . . . يعود إلى العصا واليد . والتذكير لمراعاة الخبر وهو { بُرْهَانَانِ } والبرهان : الحجة الواضحة النيرة التى تلجم الخصم ، وتجعله لا يستطيع معارضتها . أى : فهاتان المعجزتان اللتان أعطيناك إياهما يا موسى ، وهما العصا واليد ، حجتان واضحتان كائنتان { مِن رَّبِّكَ } فاذهب بهما إلى { فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } لكى تبلغهم رسالتنا ، وتأمرهم بإخلاص العبادة لنا .

{ إِنَّهُمْ } أى : فرعون وملئه { كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } أى : خارجين من الطاعة إلى المعصية . ومن الحق إلى الباطل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱسۡلُكۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٖ وَٱضۡمُمۡ إِلَيۡكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهۡبِۖ فَذَٰنِكَ بُرۡهَٰنَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (32)

29

( اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ) . .

وأطاع موسى الأمر ، وأدخل يده في فتحة ثوبه عند صدره ثم أخرجها . فإذا هي المفاجأة الثانية في اللحظة الواحدة . إنها بيضاء لامعة مشعة من غير مرض ، وقد عهدها أدماء تضرب إلى السمرة . إنها إشارة إلى إشراق الحق ووضوح الآية ونصاعة الدليل .

وأدركت موسى طبيعته . فإذا هو يرتجف من رهبة الموقف وخوارقه المتتابعة . ومرة أخرى تدركه الرعاية الحانية بتوجيه يرده إلى السكينة . ذلك أن يضم يده على قلبه ، فتخفض من دقاته ، وتطامن من خفقاته :

( واضمم إليك جناحك من الرهب ) . .

وكأنما يده جناح يقبضه على صدره ، كما يطمئن الطائر فيطبق جناحه . والرفرفة أشبه بالخفقان ، والقبض أشبه بالإطمئنان . والتعبير يرسم هذه الصورة على طريقة القرآن .

والآن وقد تلقى موسى ما تلقى ، وقد شاهد كذلك ما شاهد ، وقد رأى الآيتين الخارقتين ، وقد ارتجف لهما ثم اطمأن . . الآن يعرف ما وراء الآيات ، والآن يتلقى التكليف الذي كان يعد من طفولته الباكرة ليتلقاه . .

( فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه . إنهم كانوا قوما فاسقين ) . .

وإذن فهي الرسالة إلى فرعون وملئه . وإذن فهو الوعد الذي تلقته أم موسى وهو طفل رضيع : ( إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) . . الوعد اليقين الذي انقضت عليه السنون . وعد الله لا يخلف الله وعده وهو أصدق القائلين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱسۡلُكۡ يَدَكَ فِي جَيۡبِكَ تَخۡرُجۡ بَيۡضَآءَ مِنۡ غَيۡرِ سُوٓءٖ وَٱضۡمُمۡ إِلَيۡكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهۡبِۖ فَذَٰنِكَ بُرۡهَٰنَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (32)

{ أسلك يدك في جيبك } أدخلها . { تخرج بيضاء من غير سوء } عيب . { واضمم إليك جناحك } يديك المبسوطتين تتقي بهما الحية كالخائف الفزع بإدخال اليمنى تحت عضد اليسرى وبالعكس ، أو بإدخالهما في الجيب فيكون تكريرا لغرض آخر وهو أن يكون ذلك في وجه العدو إظهار جراءة ومبدأ لظهور معجزة ، ويجوز أن يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا حية استعارة من حال الطائر فإنه إذا خاف نشر جناحيه وإذا أمن واطمأن ضمهما إليه . { من الرهب } من أجل الرهب أي إذا عراك الخوف فافعل ذلك تجلدا وضبطا لنفسك . وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر بضم الراء وسكون الهاء ، وقرئ بضمهما ، وقرأ حفص بالفتح والسكون والكل لغات . { فذانك } إشارة إلى العصا واليد ، وشدده ابن كثير وأبو عمرو ورويس . { برهانان } حجتان وبرهان فعلان لقولهم أبره الرجل إذا جاء بالبرهان من قولهم بره الرجل إذا ابيض ، ويقال برهاء وبرهرهة للمرأة البيضاء وقيل فعلال لقولهم برهن . { من ربك } مرسلا بهما . { إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين } فكانوا أحقاء بأن يرسل إليهم .