التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (139)

وبعد هذا البيان الحكيم ، يتجه القرآن إلى المؤمنين بالتثبيت والتعزية فينهاهم عن أسباب الفشل والضعف ، ويأمرهم بالصمود وقوة اليقين . ويبشرهم بأنهم هم الأعلون فيقول : { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } .

وقوله { تَهِنُوا } من الوهن - بسكون الهاء وفتحها - وهو الضعف . وأصله ضعف الذات كما فى قوله - تعالى - حكاية عن زكريا : { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ العظم مِنِّي }

أى ضعف جسمى .

وهو هنا مجاز عن خور العزيمة ، وضعف الإرادة ، وانقلاب الرجاء يأساً والشجاعة جبنا ، واليقين شكا ، ولذلك نهوا عنه .

وقوله : { تَحْزَنُوا } من الحزن وهو ألم نفسى يصيب الإنسان عند فقد ما يحب أو عدم إدراكه ، أو عند نزول أمر يجعل النفس فى هم وقلق .

والمقصود من النهى عن الوهن والحزن ، النهى عن سببهما وعن الاسترسال فى الألم مما أصابهم فى غزوة أحد .

والمعنى : لا تسترسلوا - أيها المؤمنون - فى الهم والألم مما أصابكم فى يوم أحد ، ولا تضعفوا عن جهاد أعدائكم فإن الضعف ليس من صفات المؤمنين ، ولا تحزنوا على من قتل منكم فإن هؤلاء القتلى من الشهداء الذين لهم منزلتهم السامية عند الله .

وقوله : { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ } جملة حالية من ضمير الجماعة فى ولا تهنوا ولا تحزنوا والمقصوج بها بشارتهم وتسليتهم وإدخال الطمأنينة على قلوبهم .

أى لا تضعفوا ولا تحزنوا والحال أنكم أنتم الأعلون الغالبون دون عدوكم فأنتم قد أصبتم منهم فى غزوة بدر أكثر مما أصابوا منكم فى غزوة أحد . وأنتم تقاتلون من أجل إعلاء كلمة الله وهم يقاتلون فى سبيل الطاغوت .

وأنتم سيكون لكم النصر عليهم فى النهاية ، لأن الله - تعالى - قد وعدكم بذلك فهو القائل : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد } . وقوله : { إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } جملة شرطية ، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله .

أى : إن كنتم مؤمنين حقا فلا تهنوا ولا تحزنوا بل اعتبروا بمن سبقكم ولا تعودوا لما وقعتم فيه من أخطاء يوجب قوة القلب ، وصدق العزيمة ، والصمود فى وجه الأعداء ، والإصرار على قتالهم حتى تكون كلمة الله هى العليا .

والتعليق بالشرط فى قوله { إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } : المراد منه التهييج لنفوسهم حتى يكون تمسكها بالإيمان أشد وأقوى ، إذ قد علم الله - تعالى - أنهم مؤمنون ، ولكنهم لما لاح عليهم الوهن والحزن بسبب ما أصابهم فى أحد صاروا بمنزلة من ضعف يقينه ، فقيل لهم : إن كنتم مؤمنين حقا فاتركوا الوهن والحزن وجدوا فى قتال أعدائكم ، فإن سنة الله فى خلقه اقتضت أن تصيبوا من أعدائكم وأن تصابوا منهم إلا أن العاقبة ستكون لكم .

فالآية الكريمة تحريض للمؤمنين على الجهاد والصبر ، وتشجيع على القتال وتسلية لهم عما أصابهم ، وبشارة بأن النصر فى النهاية سيكون حليفهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (139)

121

وبعد هذا البيان العريض يتجه إلى المسلمين بالتقوية والتأسية والتثبيت

( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون . إن كنتم مؤمنين ) . .

لا تهنوا - من الوهن والضعف - ولا تحزنوا - لما أصابكم ولما فاتكم - وأنتم الأعلون . . عقيدتكم أعلى فأنتم تسجدون لله وحده ، وهم يسجدون لشيء من خلقه أو لبعض من خلقه ! ومنهجكم أعلى . فأنتم تسيرون على منهج من صنع الله ، وهم يسيرون على منهج من صنع خلق الله ! ودوركم أعلى . فأنتم الأوصياء على هذه البشرية كلها ، الهداة لهذه البشرية كلها ، وهم شاردون عن النهج ، ضالون عن الطريق . ومكانكم في الأرض أعلى ، فلكم وراثة الأرض التي وعدكم الله بها ، وهم إلى الفناء والنسيان صائرون . . فإن كنتم مؤمنين حقا فأنتم الأعلون . وإن كنتم مؤمنين حقا فلا تهنوا ولا تحزنوا . فإنما هي سنة الله أن تصابوا وتصيبوا ، على أن تكون لكم العقبى بعد الجهاد والابتلاء والتمحيص :

/خ179

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (139)

{ ولا تهنوا ولا تحزنوا } : تسلية لهم عما أصابهم يوم أحد ، والمعنى لا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم ولا تحزنوا على من قتل منكم . { وأنتم الأعلون } : وحالكم إنكم أعلى منهم شأنا ، فإنكم على الحق وقتالكم لله وقتلاكم في الجنة ، وإنهم على الباطل وقتالهم للشيطان وقتلاهم في النار ، أو لأنكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم اليوم ، أو وأنتم الأعلون في العاقبة فيكون بشارة لهم بالنصر والغلبة . { إن كنتم مؤمنين } : متعلق بالنهي أي لا تهنوا إن صح إيمانكم ، فإنه يقتضي قوة القلب بالوثوق على الله أو بالأعلون .