ثم بين - سبحانه - أنواعا أخرى من تكريمه - تعالى - لهم ، فقال : { والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } .
والأية الكريمة بيان لحال طائفة من أهل الجنة - وهم الذين شاركتهم ذريتهم الأقل عملا منهم فى الإيمان - إثر بيان حال المتقين بصفة عامة .
والاسم الموصول مبتدأ ، وخبره جملة { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } . والمراد بالذرية هنا : ما يشمل الآباء والأبناء وقوله : { واتبعتهم } معطوف على { آمَنُواْ } . وقوله { بِإِيمَانٍ } متعلق بالاتباع ، والباء للسببية أو بمعنى فى .
ومعنى : { أَلَتْنَاهُمْ } أنقصناهم . يقال : فلان أَلَتَ فلانا حقه يألِتُه - من باب ضرب - إذا بخسه حقه .
والمعنى : والذين آمنوا بنا حق الإيمان واتبعتهم ذريتهم فى هذا الإيمان ، ألحقنا بهم ذريتهم ، بأن جمعناهم معهم فى الجنة ، وما نقصنا هؤلاء المتبوعين شيئا من ثواب أعمالهم ، بسبب إلحاق ذريتهم بهم فى الدرجة ، بل جمعنا بينهم فى الجنة . وساوينا بينهم فى العطاء - حتى ولو كان بعضهم أقل من بعض فى الأعمال - فضلا منا وكرما .
قال الإمام ابن كثير : يخبر - تعالى - عن فضله وكرمه ، وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه : أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم فى الإيمان ، يلحقهم بآبائهم فى المنزلة وإن لم يبلغوا عملهم ، لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم فى منازلهم ، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه ، بأ ، يرفع الناقص العمل بكامل العمل ، ولا ينقص ذاك من عمله ومنزلته .
للتساوى بينه وبين ذاك . ولهذا قال : { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } .
عن ابن عباس قال : إن الله ليرفع ذرية المؤمن فى درجته ، وإن كانوا دونه فى العمل ، لتقر بهم عينه ، ثم قرأ هذه الآية .
وفى رواية أخرى عنه قال - عندما سئل عن هذه الآية - : هم ذرية المؤمنين يموتون على الإيمان ، فإن كانت منازل آبائهم أرفع من منازلهم ألحقوا بآبائهم ، ولم ينقصوا من أعمالهم التى عملوها شيئا .
وقال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى تنكير الإيمان ؟ قلت : معناه الدلالة على أنه إيمان خاص عظيم المنزلة ، ويجوز أن يراد : إيمان الذرية الدانى المحل ، كأنه قال : بشىء من الإيمان ، لا يؤهلهم لدرجة الآباء الحقناهم بهم .
قال الجمل : والذرية هنا تصدق على الآباء والأبناء ، فإن المؤمن إذا كان عمله الصالح أكثر ألحق به من هو دونه فى العمل أبا كان أو ابنا ، وهذا منقول عن ابن عباس وغيره .
وعن ابن عباس - أيضا - يرفعه إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ ، سأل أحدهم عن أبويه وعن زوجته وولده ، فيقال : إنهم لم يدركوا ما أدركت ، فيقول : يارب إنى عملت لى ولهم ، فيؤمر بإلحاقهم به " .
وقوله : { كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } أى : كل إنسان مرهون بعمله عند الله - تعالى - فإن كان عمله صالحا سعد وفاز ، وأطلق نفسه من كل ما يسوؤها ويحزنها ، وإن كان غير ذلك جوزى على حسب عمله وسعيه .
والتعبير بقوله { رَهَينٌ } للإشعار بأن كل إنسان مرتهن بعمله ، حتى لكأن العمل بمنزلة الدَّيْن ، وأن الإنسان لا يستطيع الفكاك منه إلا بعد أدائه .
ويمضي التكريم خطوة فإذا ذريتهم المؤمنة تجتمع إليهم في هذا النعيم ، زيادة في الرعاية والعناية . ولو كانت أعمال الذرية أقل من مستوى مقام المتقين ، ما دامت هذه الذرية مؤمنة . وذلك دون أن ينقص شيء من أعمال الآباء ودرجاتهم . ودون إخلال بفردية التبعة وحساب كل بعمله الذي كسبه ، إنما هو فضل الله على الجميع :
( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم . وما ألتناهم من عملهم من شيء . كل امرئ بما كسب رهين ) . .
{ والذين آمنوا } على حور أي قرناهم بأزواج حور ورفقاء مؤمنين . وقيل إنه مبتدأ { ألحقنا بهم } وقوله : { واتبعتهم ذريتهم بإيمان } اعتراض للتعليل ، وقرأ ابن عامر ويعقوب " ذرياتهم " بالجمع وضم التاء للمبالغة في كثرتهم والتصريح ، فإن الذرية تقع على الواحد والكثير ، وقرأ أبو عمرو و " أتبعناهم ذرياتهم " أي جعلناهم تابعين لهم في الإيمان وقيل { بإيمان } حال من الضمير أو الذرية أو منهما وتنكيره للتعظيم ، أو الإشعار بأنه يكفي للإلحاق المتابعة في أصل الإيمان . { ألحقنا بهم ذريتهم } في دخول الجنة أو الدرجة . لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه لتقر بهم عينه ثم تلا هذه الآية " وقرأ نافع وابن عامر والبصريان { ذرياتهم } . { وما ألتناهم } وما نقصناهم . { من عملهم من شيء } بهذا الإلحاق فإنه كان يحتمل أن يكون بنقص مرتبة الآباء أو بإعطاء الأبناء بعض مثوباتهم ، ويحتمل أن يكون بالتفصيل عليهم وهو اللائق بكمال لطفه . وقرأ ابن كثير بكسر اللام من ألت يألت ، وعنه " لتناهم " من لات يليت و " آلتناهم " من آلت يولت ، و " والتناهم " من ولت يلت ومعنى الكل واحد . { كل امرئ بما كسب رهين } بعمله مرهون عند الله تعالى فإن عمل صالحا فكه وإلا أهلكه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.