ثم بين - سبحانه - بعد ذلك عاقبة أهل الحق ، وعاقبة أهل الباطل فقال - تعالى - { لِلَّذِينَ استجابوا لِرَبِّهِمُ الحسنى والذين لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ . . }
أى : للمؤمنين الصادقين ، الذين أطاعوا ربهم في كل ما أمرهم به أو نهاهم عنه ، المثوبة الحسنى ، وهى الجنة .
فالحسنى يصح أن تكون صفة لموصوف محذوف ، ويصح أن تكون مبتدأ مؤخراً ، وخبره { لِلَّذِينَ استجابوا لِرَبِّهِمُ } .
{ والذين لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ } - سبحانه - ولم ينقادوا لأمره أو نهيه وهم الكفار { لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً } من أصناف الأموال ، ولهم أيضا { مِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ } أى لهان عليهم - مع نفاسته وكثرته - أن يقدموه فداء لأنفسهم من عذاب يوم القيامة .
فالضمير في قوله { وَمِثْلَهُ مَعَهُ } يعود إلى ما في الأرض جميعا من أصناف الأموال وفى ذلك ما فيه من تهويل ما سيلقونه من عذاب أليم جزاء كفرهم وجحودهم .
ثم بين - سبحانه - سوء مصيرهم فقال : { أولئك لَهُمْ سواء الحساب } أى : اولئك الذين لم يستجيبوا لربهم لهم الحساب السيئ الذي لا رحمة معه ، ولا تساهل فيه .
{ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } أى : ومرجعهم الذي يرجعون إليه جهنم . { وَبِئْسَ المهاد } أى : وبئس المستقر الذي يستقرون فيه .
والمخصوص بالذم محذوف أى : مهادهم أو جهنم .
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أقامت أوضح الأدلة وأحكمها على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، وبينت حسن عاقبة المؤمنين ، وسوء عاقبة المكذبين .
فمن استجاب لله فله الحسنى . والذين لم يستجيبوا له يلاقون من الهول ما يود أحدهم لو ملك ما في الأرض ومثله معه أن يفتدى به . وما هو بمفتد ، إنما هو الحساب الذي يسوء ، وإنما هي جهنم لهم مهاد . ويا لسوء المهاد ! :
( للذين استجابوا لربهم الحسنى ، والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به ، أولئك لهم سوء الحساب ، ومأواهم جهنم . وبئس المهاد ) . .
يخبر تعالى عن مآل السعداء والأشقياء فقال : { لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ } أي : أطاعوا الله ورسوله ، وانقادوا لأوامره ، وصدقوا أخباره الماضية والآتية ، فلهم { الحسنى } وهو الجزاء الحسن{[15559]} كما قال تعالى مخبرًا عن ذي القرنين أنه قال : { قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا } [ الكهف : 87 ، 88 ] وقال تعالى : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] .
وقوله : { وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ } أي لم : يطيعوا الله { لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا } أي : في الدار الآخرة ، لو أن يمكنهم أن يفتدوا من عذاب الله بملء الأرض ذهبا ومثله معه لافتدوا به ، ولكن لا يتقبل منهم ؛ لأنه تعالى لا يقبل منهم يوم القيامة صرفا ولا عدلا { أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ } أي : في الدار الآخرة ، أي : يناقشون على النقير والقطمير ، والجليل والحقير ، ومن نوقش الحساب عذب ؛ ولهذا قال : { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }
استئناف بياني لجملة { كذلك يضرب الله الأمثال } ، أي فائدة هذه الأمثال أن للذين استجابوا لربهم حين يضربها لهم الحسنى إلى آخره .
فمناسبته لما تقدم من التمثيلين أنهما عائدان إلى أحوال المسلمين والمشركين . ففي ذكر هذه الجملة زيادة تنبيه للتمثيل وللغرض منه مع ما في ذلك من جزاء الفريقين لأن المؤمنين استجابوا لله بما عقلوا الأمثال فجوزوا بالحسنى ، وأما المشركون فأعرضوا ولم يعقلوا الأمثال ، قال تعالى : { وما يعقلها إلا العالمون } [ سورة العنكبوت : 43 ] ، فكان جزاؤهم عذاباً عظيماً وهو سوء الحساب الذي عاقبته المصير إلى جهنم . فمعنى { استجابوا لربهم } استجابوا لدعوته بما تضمنه المثل السابق وغيره .
وقوله : { الحسنى } مبتدأ و { للذين استجابوا } خبره . وفي العدول إلى الموصولين وصلتيهما في قوله : { للذين استجابوا } { والذين لم يستجيبوا } إيماء إلى أن الصلتين سببان لما حصل للفريقين .
وتقديم المسند في قوله : { للذين استجابوا لربهم الحسنى } لأنه الأهم لأن الغرض التنويه بشأن الذين استجابوا مع جعل الحسنى في مرتبة المسند إليه ، وفي ذلك تنويه بها أيضاً .
وأما الخبر عن وعيد الذين لم يستجيبوا فقد أجري على أصل نظم الكلام في التقديم والتأخير لقلة الاكتراث بهم . وتقدم نظير قوله : { لو أن لهم ما في الأرض جميعاً } في سورة العقود ( 36 ) .
وأتي باسم الإشارة في أولئك لهم سوء الحساب } للتنبيه على أنهم أحرياء بما بعد اسم الإشارة من الخبر بسبب ما قبل اسم الإشارة من الصلة .
و { سوء الحساب } ما يحف بالحساب من إغلاظ وإهانة للمحساب . وأما أصل الحساب فهو حسن لأنه عدل .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{للذين استجابوا لربهم الحسنى}، لهم في الآخرة، وهي الجنة.
{والذين لم يستجيبوا له} بالإيمان وهم الكفار، {لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه}، فقدروا على أن يفتدوا به أنفسهم من العذاب،
{لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب}، يعني شدة الحساب حين لا يتجاوز عن شيء من ذنوبهم، {ومأواهم}، يعني مصيرهم {جهنم وبئس المهاد}، يعني بئس ما مهدوا لأنفسهم...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: أما الذين استجابوا لله فآمنوا به حين دعاهم إلى الإيمان به وأطاعوه فاتبعوا رسوله وصدّقوه فيما جاءهم به من عند الله، فإن لهم الحسنى، وهي الجنة...
وقوله:"وَالّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أنّ لَهُمْ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ" يقول تعالى ذكره: وأما الذين لم يستجيبوا له حين دعاهم إلى توحيده والإقرار بربوبيته، ولم يطيعوه فيما أمرهم به، ولم يتبعوا رسوله فيصدّقوه فيما جاءهم به من عند ربهم، فلو أنّ لهم ما فِي الأرض جميعا من شيء ومثله معه ملكا لهم ثم مثل ذلك وقُبِل ذلك منهم بدلاً من العذاب الذي أعدّه الله لهم في نار جهنم وعوضا لافتدوا به أنفسهم منه، يقول الله: "أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الحِسابِ "يقول: هؤلاء الذين لم يستجيبوا لله لهم سوء الحساب: يقول: لهم عند الله أن يأخذهم بذنوبهم كلها، فلا يغفر لهم منها شيئا، ولكن يعذّبهم على جميعها...
وقوله: "ومَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ" يقول: ومسكنهم الذي يسكنونه يوم القيامة جهنم. "وَبِئْسَ المِهادُ" يقول: وبئس الفِراش والوِطاء جهنم، التي هي مأواهم يوم القيامة.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
... الافتداء: جعل أحد الشيئين بدلا من الآخر على وجه الاتقاء به، فهؤلاء لا يقيهم من عذاب الله شيء -نعوذ بالله منه -
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
{الحُسْنَى}: الوعد بقبول استجابتهم، وذلك مِنْ أَجَلِّ الأشياءِ عندهم؛ فلا شيء أعزُّ على المحبِّ مِنْ قبولِ محبوبه منه شيئاً. أما الذين لم يستجيبوا له فلو أَنّ لهم جميع ما في الأرض وأنفقوه عَمْداً لا يُقْبَلُ منهم، ولهم سوءُ الحساب، وهو المناقشة في الحساب، ثم مأواهم جهنم ودوام العذاب...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{لِلَّذِينَ استجابوا} اللام متعلقة ب"يضرب"، أي كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين الذين استجابوا، وللكافرين الذين لم يستجيبوا، أي: هما مثلا الفريقين. و {الحسنى} صفة لمصدر استجابوا، أي: استجابوا الاستجابة الحسنى. وقوله {لَوْ أَنَّ لَهُمْ} كلام مبتدأ في ذكر ما أعدّ لغير المستجيبين. وقيل: قد تم الكلام عند قوله: {كذلك يَضْرِبُ الله الأمثال} [الرعد: 17] وما بعده كلام مستأنف. والحسنى: مبتدأ، خبره {لِلَّذِينَ استجابوا} والمعنى: لهم المثوبة الحسنى، وهي الجنة {والذين لَمْ يَسْتَجِيبُواْ} مبتدأ خبره، «لو» مع ما في حيزه و {سُوء الحِسَابِ} المناقشة فيه. وعن النخعي: أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر منه شيء.
اعلم أنه تعالى ذكر ههنا أحوال السعداء وأحوال الأشقياء، أما أحوال السعداء فهي قوله: {للذين استجابوا لربهم الحسنى} والمعنى أن الذين أجابوه إلى ما دعاهم إليه من التوحيد والعدل والنبوة وبعث الرسل والتزام الشرائع الواردة على لسان رسوله فلهم الحسنى. قال ابن عباس: الجنة، وقال أهل المعاني: الحسنى هي المنفعة العظمى في الحسن، وهي المنفعة الخالصة عن شوائب المضرة الدائمة الخالية عن الانقطاع المقرونة بالتعظيم والإجلال. ولم يذكر الزيادة ههنا لأنه تعالى قد ذكرها في سورة أخرى، وهو قوله: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}.
وأما أحوال الأشقياء، فهي قوله: {والذين لم يستجيبوا له} فلهم أنواع أربعة من العذاب والعقوبة.
فالنوع الأول؛ قوله: {لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به} والافتداء جعل أحد الشيئين بدلا من الآخر، ومفعول لافتدوا به محذوف تقديره: لافتدوا به أنفسهم أي جعلوه فداء أنفسهم من العذاب، والكناية في «به» عائدة إلى «ما» في قوله: {ما في الأرض}. واعلم أن هذا المعنى حق، لأن المحبوب بالذات لكل إنسان هو ذاته، وكل ما سواه فإنما يحبه لكونه وسيلة إلى مصالح ذاته، فإذا كانت النفس في الضرر والألم والتعب وكان مالكا لما يساوي عالم الأجساد والأرواح فإنه يرضى بأن يجعله فداء لنفسه، لأن المحبوب بالعرض لا بد وأن يكون فداء لما يكون محبوبا بالذات.
والنوع الثاني: من أنواع العذاب الذي أعده الله لهم هو قوله: {أولئك لهم سوء الحساب} قال الزجاج: ذاك لأن كفرهم أحبط أعمالهم. وأقول ههنا حالتان: فكل ما شغلك بالله وعبوديته ومحبته فهي الحالة السعيدة الشريفة العلوية القدسية، وكل ما شغلك بغير الله فهي الحالة الضارة المؤذية الخسيسة، ولا شك أن هاتين الحالتين تقبلان الأشد والأضعف والأقل والأزيد، ولا شك أن المواظبة على الأعمال المناسبة لهذه الأحوال توجب قوتها ورسوخها... إذا ثبت هذا فالسعداء هم الذين استجابوا لربهم في الإعراض عما سوى الله وفي الإقبال بالكلية على عبودية الله تعالى ولا جرم حصل لهم الحسنى. وأما الأشقياء فهم الذين لم يستجيبوا لربهم، فلهذا السبب وجب أن يحصل لهم سوء الحساب، والمراد بسوء الحساب أنهم أحبوا الدنيا وأعرضوا عن المولى فلما ماتوا بقوا محرومين عن معشوقهم الذي هو الدنيا وبقوا محرومين عن الفوز بخدمة حضرة المولى.
والنوع الثالث: قوله تعالى: {ومأواهم جهنم} وذلك لأنهم كانوا غافلين عن الاستسعاد بخدمة حضرة المولى عاكفين على لذات الدنيا، فإذا ماتوا فارقوا معشوقهم فيحترقون على مفارقتها وليس عندهم شيء آخر يجبر هذه المصيبة، فلذلك قال: {مأواهم جهنم} ثم إنه تعالى وصف هذا المأوى فقال: {وبئس المهاد} ولا شك أن الأمر كذلك...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما تم ما للحق والباطل في أنفسهما من الثبات والاضطراب، ذكر ما لأهلهما من الثواب والعقاب جواباً لمن كأنه قال: ما لمن تدبر هذه الأمثال، وأبعد عما أشارت إليه من الضلال، أو حاد عما دعت إليه ومال؟ فأجيب بقوله: {للذين استجابوا} أي طلبوا من أنفسهم الإجابة وأوجدوها {لربهم} أي المحسن إليهم شكراً له، الحالة {الحسنى} أي العظيمة في الحسن، وهي القرار في الجنة فهو جزاءهم؛ قال أبو حيان: وذلك هو النصر في الدنيا وما اختصوا به من نعمه تعالى ودخول الجنة في الآخرة -انتهى. وقد تقدم في سورة يونس عليه الصلاة والسلام أنهم يزادون ما لا يعلم قدره إلا الذي فعلوا ذلك خوف عقابه ورجاء ثوابه.
ولما ذكر ما للطائعين، أتبعه جزاء العاصين، فقال مبتدئاً: {والذين لم يستجيبوا} أي يرغبوا في إيجاد الإجابة {له} وأخبر عن هذا الابتداء قوله معلماً بأن استعجالهم بالعذاب باستعجالهم بالسيئة قبل الحسنة جراءة منهم ناشئة عن جهل صرف تزول عند رؤيتهم عذابه سبحانه، فيبلغون حينئذ بالافتداء غاية الذل فلا يقبل منهم -: {لو أن لهم} أي في ملكهم وتحت قدرتهم {ما في الأرض} وأكد بقوله: {جميعاً ومثله} وأوضح بقوله: {معه لافتدوا به} أي جعلوا فكاك أنفسهم بغاية جهدهم، وأكده لادعاء الكفرة أنهم لا يذلون لشيء ولا يوهن قواهم شيء، والافتداء: جعل أحد الشيئين بدلاً من الآخر على جهة الاتقاء به، فكأنه قيل: ما الذي دعاهم حتى كان هذا حالهم؟ فقيل- دلالة على أنه لا يقبل منهم الفداء ولو عظم -: {أولئك} أي البعداء البغضاء {لهم سوء الحساب} والحساب: إحصاء ما على العبد وله، وسوء المؤاخذة، وعدم العفو عن شيء {ومأواهم} أي مستقرهم {جهنم} أي الطبقة التي تلقى داخلها بالتجهم والعبوسة. ولما كان المأوى إنما يأوى إليه صاحبه للراحة فيه بالاتكاء على فرش ونحوه، قال معبراً بمجمع المذام: {وبئس المهاد}.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استئناف بياني لجملة {كذلك يضرب الله الأمثال}، أي فائدة هذه الأمثال أن للذين استجابوا لربهم حين يضربها لهم الحسنى إلى آخره.
فمناسبته لما تقدم من التمثيلين أنهما عائدان إلى أحوال المسلمين والمشركين. ففي ذكر هذه الجملة زيادة تنبيه للتمثيل وللغرض منه مع ما في ذلك من جزاء الفريقين لأن المؤمنين استجابوا لله بما عقلوا الأمثال فجوزوا بالحسنى، وأما المشركون فأعرضوا ولم يعقلوا الأمثال، قال تعالى: {وما يعقلها إلا العالمون} [سورة العنكبوت: 43]، فكان جزاؤهم عذاباً عظيماً وهو سوء الحساب الذي عاقبته المصير إلى جهنم. فمعنى {استجابوا لربهم} استجابوا لدعوته بما تضمنه المثل السابق وغيره.
وقوله: {الحسنى} مبتدأ و {للذين استجابوا} خبره. وفي العدول إلى الموصولين وصلتيهما في قوله: {للذين استجابوا} {والذين لم يستجيبوا} إيماء إلى أن الصلتين سببان لما حصل للفريقين.
وتقديم المسند في قوله: {للذين استجابوا لربهم الحسنى} لأنه الأهم لأن الغرض التنويه بشأن الذين استجابوا مع جعل الحسنى في مرتبة المسند إليه، وفي ذلك تنويه بها أيضاً.
وأما الخبر عن وعيد الذين لم يستجيبوا فقد أجري على أصل نظم الكلام في التقديم والتأخير لقلة الاكتراث بهم. وتقدم نظير قوله: {لو أن لهم ما في الأرض جميعاً} في سورة العقود (36).
وأتي باسم الإشارة في أولئك لهم سوء الحساب} للتنبيه على أنهم أحرياء بما بعد اسم الإشارة من الخبر بسبب ما قبل اسم الإشارة من الصلة.
و {سوء الحساب} ما يحف بالحساب من إغلاظ وإهانة للمحاسب. وأما أصل الحساب فهو حسن لأنه عدل.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
لا توجد صيغةً أوضح من هذه الآية في بيان شدّة عذابهم وعقابهم، يمتلك الإنسان كلّ ما في الأرض وضعفه أيضاً ويفتدي به للنجاة ولا يحصل النجاة...
ومن هنا يتّضح أنّ العبارة (ومثله معه) ليس المقصود منها أن يكون لهم ضعف ما في الأرض، بل أنّهم مهما ملكوا أكثر من ذلك فانّهم مستعدّون للتنازل عنه مقابل نجاتهم من العذاب. ودليله واضح، لأنّ الإنسان يطلب كلّ شيء لمنفعته، ولكن عندما يجد نفسه غارقاً في العذاب فما فائدة تملكه للدنيا كلّها؟...