فكانت نتيجة هذا الدعاء الخالص أن أجاب الله لزكريا دعاءه فقال : { فاستجبنا لَهُ } أى دعاءه وتضرعه .
{ وَوَهَبْنَا لَهُ } بفضلنا وإحساننا ابنه { يحيى } - عليهما السلام - .
{ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } بأن جعلناها تلد بعد أن كانت عقيما تكريما له ورحمة به .
وقوله : { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الخيرات } تعليل لهذا العطاء الذى منحه - سبحانه - لأنبيائه - عليهم الصلاة والسلام - والضمير فى " إنهم " يعود للأنبياء السابقين . وقيل : يعود إلى زكريا وزوجه ويحيى .
أى : لقد أعطيناهم من ألوان النعم ، لأنهم كانوا يبادرون فى فعل الخيرات التى ترضينا ، ويجتهدون فى أداء كل قول أو عمل أمرناهم به .
{ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } أى : ويجأرون إلينا بالدعاء ، راغبين فى آلائنا ونعمنا وراهبين خائفين من عذابنا ونقمنا .
فقوله { رَغَباً وَرَهَباً } مصدران بمعنى اسم الفاعل ، منصوبان على الحال ، وفعلهما من باب " طرب " { وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } أى : مخبتين متضرعين لا متكبرين ولا متجبرين .
وبهذه الصفات الحميدة ، استحق هؤلاء الأخيار أن ينالوا خيرنا وعطاءنا ورضانا
وكانت الاستجابة سريعة ومباشرة : ( فاستجبنا له ، ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه )وكانت عقيما لا تصلح للنسل . . ويختصر السياق تفصيلات هذا كله ليصل مباشرة إلى استجابة الله للدعاء .
( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ) . . فسارع الله في استجابة الدعاء .
( ويدعوننا رغبا ورهبا ) . . رغبة في الرضوان ورهبة للغضب . فقلوبهم وثيقة الصلة دائمة التطلع . ( وكانوا لنا خاشعين ) . . لا متكبرين ولا متجبرين . .
بهذه الصفات في زكريا وزوجه وابنهما يحيى استحق الوالدان أن ينعم عليهما بالابن الصالح . فكانت أسرة مباركة تستحق رحمة الله ورضاه .
قال الله تعالى : { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } أي : امرأته .
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير : كانت عاقرا لا تلد ، فولدت .
وقال عبد الرحمن بن مهدي{[19846]} ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء : كان في لسانها طول فأصلحها الله . وفي رواية : كان في خَلْقها شيء فأصلحها الله . وهكذا قال محمد بن كعب ، والسدّي . والأظهر من السياق الأول .
وقوله : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } أي : في عمل القُرُبات وفعل الطاعات ، { وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا } قال الثوري : { رَغَبًا } فيما عندنا ، { وَرَهَبًا } مما عندنا ، { وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أي مصدقين بما أنزل الله . وقال مجاهد : مؤمنين حقا . وقال أبو العالية : خائفين . وقال أبو سِنَان : الخشوع هو الخوف اللازم للقلب ، لا يفارقه أبدًا . وعن مجاهد أيضًا { خَاشِعِينَ } أي : متواضعين . وقال الحسن ، وقتادة ، والضحاك : { خَاشِعِينَ } أي : متذللين لله عز وجل . وكل هذه الأقوال متقاربة . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطَّنَافِسيّ ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق بن{[19847]} عبد الله القرشي ، عن عبد الله بن حكيم قال : خطبنا أبو بكر ، رضي الله عنه ، ثم قال : أما بعد ، فإني أوصيكم بتقوى الله ، وتُثنُوا عليه بما هو له أهل ، وتخلطوا الرغبة بالرهبة ، وتجمعوا الإلحاف بالمسألة ، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته ، فقال : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } .
{ فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه } أي أصلحناها للولادة بعد عقرها أو ل { زكريا } بتحسين خلقها وكانت حردة . { إنهم } يعني المتوالدين أو المذكورين من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . { كانوا يسارعون في الخيرات } يبادرون إلى أبواب الخير . { ويدعوننا رغبا ورهبا } ذوي رغب ورهب ، أو راغبين في الثواب راجين للإجابة ، أو في الطاعة وخائفين العقاب أو المعصية . { وكانوا لنا خاشعين } مخبتين أو دائبين الوجل ، والمعنى أنهم نالوا من الله ما نالوا بهذه الخصال .
وإصلاح الزوجة قيل بأن جعلها ممن تحمل وهي عاقر قاعد فحاضت وحملت وهذا هو الذي يشبه الآية وقيل بأن أزيل بذاء كان في لسانها .
قال أبو محمد رحمه الله :وهذا ضعيف وعموم اللفظ يتناول جميع وجوه الإصلاح .
وقرأت فرقة «يدعوننا » وقرأت فرقة «يدعونا » ، وقرأت فرقة «رَغَباً » بفتح الراء والغين «ورَهَباً » كذلك ، وقرأت فرقة بضم الراء فيهما وسكون الغين والهاء ، وقرأت فرقة بفتح الراء وسكون الغين والهاء ، والمعنى أنهم يدعون في وقت تعبدهم وهم بحال رغبة ورجاء ، ورهبة وخوف من حال واحدة لأَن الرغبة والرهبة متلازمان ، وقال بعض الناس الرغب أَن ترفع بطون الأكف نحو السماء والرهب أَن ترفع ظهورها ع وتلخيص هذا أَن عادة كل داع من البشر أن يستعين بيديه ، فالرغب من حيث هو طلب يحسن معه أن يوجه باطن الراح نحو المطلوب منه إذ هي موضع الإعطاء وبها يتملك ، والرهب من حيث هو دفع مضرة يحسن معه طرح ذلك والإشارة إلى إذهابه وتوقيه بنفض اليد ونحوه و «الخشوع » التذلل بالبدن المتركب على التذلل بالقلب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.