وبعد أن حضهم على صلة الأقارب والمساكين وابن السبيل ، نفرهم من تعاطى الربا فقال : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ الناس فَلاَ يَرْبُو عِندَ الله } .
والربا : الزايدة مطلقا . يقال : ربا الشئ يربو إذا زاد ونما ، ومنه قوله - تعالى - : { وَتَرَى الأرض هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ } أى : زادت .
قال الآلوسى ما ملخصه : والظاهر أن المراد بالبر هنا ، الزيادة المعروفة فى المعاملة التى حرمها الشارع . ويشهد لذلك ما روى عن السدى ، من أن الآية نزلت فى ربا ثقيف ، كانوا يرابون ، وكذلك كانت قريش تتعاطى الربا .
وعن ابن عباس وغيره : أن المراد به هنا العطية التى يتوقع بها مزيد مكافأة ، وعليه فتسميتها ربا مجاز ، لأنها سبب للزيادة .
ويبدو لنا أن المراد هنا ، الربا الذى حرمه الله - تعالى - بعد ذلك تحريما قاطعا ، وأن المقصود من الآية التنفير منه على سبيل التدرج ، حتى إذا جاء التحريم النهائى له ، تقبلته نفوس الناس بدون مفاجأة لهذا التحريم .
قال صاحب الكشاف : هذه الآية فى معنى قوله - تعالى - { يَمْحَقُ الله الربا وَيُرْبِي الصدقات } سواء بسواء . يريد : وما أعطيتم أكلة الربا { مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي } أموالهم ، أى : ليزيد ويزكو فى أموالهم ، فلا يزكو عند الله ولا يبارك فيه .
ثم حض - سبحانه - على التصدق فى سبيله فقال : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ } أى من صدقة تتقربون بها إلى الله ، و { تُرِيدُونَ } بأدائها { وَجْهَ الله } أى : رضاه وثوابه . { فأولئك } الذين يفعلون ذلك { هُمُ المضعفون } أى : ذوو الأضعاف المضاعفة من الثواب والعطا الكريم ، فالمضعفون جمع مضعف - بكسر العين - على أنه اسم فاعل من أضعف ، إذا صار ضِعْف - بكسر فسكون - كأقوى وأيسر ، إذا صار ذا قوة ويسار .
وقال - سبحانه - : { فأولئك هُمُ المضعفون } ولم يقل : فأنتم المضعفون ، لأنه رجع من المخاطبة إلى الغيبة ، كانه قال لملائكته : فاولئك الذين يريدون وجهى بصدقاتهم ، هم المضعفون ، فهو أمدح لهم من أن يقول : فأنتم المضعفون .
وكان بعضهم يحاول تنمية ماله بإهداء هدايا إلى الموسرين من الناس ، كي ترد عليه الهدية مضاعفة ! فبين لهم أن هذا ليس الطريق للنماء الحقيقي : وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله . . هذا ما تذكره الروايات عن المقصود بالآية وإن كان نصها بإطلاقه يشمل جميع الوسائل التي يريد بها أصحابها أن ينموا أموالهم بطريقة ربوية في أي شكل من الأشكال . . وبين لهم في الوقت ذاته وسيلة النماء الحقيقية :
( وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ) . .
هذه هي الوسيلة المضمونة لمضاعفة المال : إعطاؤه بلا مقابل وبلا انتظار رد ولا عوض من الناس . إنما هي إرادة وجه الله . أليس هو الذي يبسط الرزق ويقدر ? أليس هو الذي يعطي الناس ويمنع ? فهو الذي يضاعف إذن للمنفقين ابتغاء وجهه ؛ وهو الذي ينقص مال المرابين الذين يبتغون وجوه الناس . . ذلك حساب الدينا ، وهناك حساب الآخرة وفيه أضعاف مضاعفة . فهي التجارة الرابحة هنا وهناك !
ثم قال : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ } أي : من أعطى عطية يريد أن يرد الناس عليه أكثر مما أهدى لهم ، فهذا لا ثواب له عند الله - بهذا فسره ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وعكرمة ، ومحمد بن كعب ، والشعبي - وهذا الصنيع مباح{[22862]} وإن كان لا ثواب فيه{[22863]} إلا أنه قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، قاله الضحاك ، واستدل بقوله : { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } [ المدثر : 6 ] أي : لا تعط العطاء تريد أكثر منه .
وقال ابن عباس : الربا رباءان ، فربا لا يصح{[22864]} يعني : ربا البيع ؟ وربا لا بأس به ، وهو هدية الرجل يريد فضلها{[22865]} وأضعافها . ثم تلا هذه الآية : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ } .
وإنما الثواب عند الله في الزكاة ؛ ولهذا قال : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ } أي : الذين يضاعف الله لهم الثواب والجزاء ، كما [ جاء ]{[22866]} في الصحيح : " وما تصدق أحد بِعِدْل تمرة من كسب طيب إلا أخذها الرحمن بيمينه ، فَيُرَبِّيها لصاحبها كما يُرَبِّي أحدكم فَلُوّه أو فَصِيلَه ، حتى تصير التمرة أعظم من أُحُد " {[22867]} .
{ وما آتيتم من ربا } زيادة محرمة في المعاملة أو عطية يتوقع بها مزيد مكافأة ، وقرأ ابن كثير بالقصر بمعنى ما جئتم به من إعطاء ربا . { وليربوا في أموال الناس } ليزيد ويزكو في أموالهم . { فلا يربو عند الله } فلا يزكو عنده ولا يبارك فيه ، وقرأ نافع ويعقوب " لتربوا " أي لتزيدوا أو لتصيروا ذوي ربا . { وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله } تبتغون به وجهه خالصا { فأولئك هم المضعفون } ذوو الأضعاف من الثواب ونظير المضعف المقوي والموسر لذي القوة واليسار ، أو الذين ضعفوا ثوابهم وأموالهم ببركة الزكاة ، وقرئ بفتح العين وتغييره عن سنن المقابلة عبارة ونظما للمبالغة ، والالتفات فيه للتعظيم كأنه خاطب به الملائكة وخواص الخلق تعريفا لحالهم ، أو للتعميم كأنه قال : فمن فعل ذلك { فأولئك هم المضعفون } ، والراجع منه محذوف إن جعلت ما موصولة تقديره المضعفون به ، أو فمؤتوه أولئك هم المضعفون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.