التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

وقوله - سبحانه - { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الجب يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } بيان للرأى الذي اقترحه أحدهم ، واستقر عليه أمرهم .

قال القرطبى ما ملخصه : قوله { وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الجب } قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة " في غيابة الجب " بالإِفراد - وقرأ أهل المدينة " في غيابات الجب " - بالجمع- .

وكل شئ غيب عنك شيئا فهو غيابة ، ومنه قيل للقبر غيابة - قال الشاعر :

فإن أنا يوما غيبتنى غيابتى . . . فسيروا بسيرى في العشيرة والاهل

والجب : الركية - أى الحفرة - التي لم تطو - أى لم بتن بالحجارة - فإذا طويت فهى بئر . وسميت جبا لأنها قطعت في الأرض قطعا . وجمع الجب جببه وجباب وأجباب .

وجمع بين الغيابة والجبن ، لأنه أراد ألقوه في موضع مظلم الجب حتى لا يلحقه نظر الناظرين . . .

والسيارة : جمع سيار ، والمراد بهم جماعة المسافرين الذين يبالغون في السير ليصلوا إلى مقصودهم .

والمعنى : قال قائل من إخوة يوسف أفرزعه ما هم مقدمون علهي بشأن أخيهم الصغير : لا تقتلوا يوسف ، لأن قتله جرم عظيم ، وبدلا من ذلك ، ألقوه في قعر الجب حيث يغيب خبره ، إلى أن يلتقطه من الجب بعض المسافرين ، فيذهب به إلى ناحية بعيدة عنكم ، وبذلك تستريحون منه ويخل لكم وجه أبيكم .

ولم يذكر القرآن اسم هذا القائل أو وصفه ، لأنه لا يتعلق بذكر ذلك غرض ، وقد رجح بعض المفسرين أن المراد بهذا القائل " يهوذا "

والفائدة في وصفه بأنه منهم ، الإِخبار بأنهم لم يجمعوا على قتله أو طرحه في أرض بعيدة حتى يدركه الموت .

وأتى باسم يوسف دون ضميره ، لاستدرار عطفهم عليه ، وشفقتهم به ، واستعظام أمر قتله .

وجواب الشرط في قوله { إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } محذوف لدلالة " وألقوه " عليه .

والمعنى : إن كنتم فاعلين ما هو خير وصواب ، فألقوه في غيابة الجب ، ولا تقتلوه ولا تطرحوه أرضا .

وفى هذه الجملة من هذا القائل ، محاولة منه لتثبيطهم عما اقترحوه من القتل أو التغريب بأسلوب بليغ ، حيث فوض الأمر إليهم ، تعظيما لهم ، وحذرا من سوء ظنهم به ، فكان أمثلهم رأيا ، وأقربهم إلى التقوى .

قالوا : وفى هذا الرأى عبرة في الاقتصاد عند الانتقام ، والاكتفاء بما حصل به الغرض دون إفراط ، لأن غرضهم إنما هو إبعاد يوسف عن أبيهم . وهذا الإِبعاد يتم عن طريق إلقائه في غيابة الجب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

ولكن ضميرا واحدا فيهم ، يرتعش لهول ما هم مقدمون عليه . فيقترح حلا يريحهم من يوسف ، ويخلي لهم وجه أبيهم ، ولكنه لا يقتل يوسف ، ولا يلقيه في أرض مهجورة يغلب فيها الهلاك . إنما يلقيه في الجب على طريق القوافل ، حيث يرجح أن تعثر عليه إحدى القوافل فتنقذه وتذهب به بعيدا :

( قال قائل منهم : لا تقتلوا يوسف ، وألقوه في غيابة الجب ، يلتقطه بعض السيارة . إن كنتم فاعلين ) . .

ونحس من قوله :

( إن كنتم فاعلين ) . .

روح التشكيك والتثبيط . كأنه يشككهم في أنهم مصرون على إبقاع الأذى بيوسف . وهو أسلوب من أساليب التثبيط عن الفعل ، واضح فيه عدم الارتياح للتنفيذ . ولكن هذا كان أقل ما يشفي حقدهم ؛ ولم يكونوا على استعداد للتراجع فما اعتزموه . . نفهم هذا من المشهد التالي في السياق . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ يَلۡتَقِطۡهُ بَعۡضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ} (10)

{ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ } قال قتادة ، ومحمد بن إسحاق : كان أكبرهم واسمه روبيل . وقال السدي : الذي قال ذلك يهوذا . وقال مجاهد : هو شمعون { لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ } أي : لا تَصِلوا{[15070]} في عداوته وبغضه إلى قتله ، ولم يكن لهم{[15071]} سبيلٌ إلى قتله ؛ لأن الله تعالى كان يريد منه أمرًا لا بدّ من إمضائه وإتمامه ، من الإيحاء إليه بالنبوة ، ومن التمكين له ببلاد مصر والحكم بها ، فصرفهم الله عنه بمقالة روبيل فيه وإشارته عليهم بأن يلقوه في غيابة الجب ، وهو أسفله .

قال قتادة : وهي بئر بيت المقدس .

{ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ } أي : المارة من المسافرين ، فتستريحوا بهذا ، ولا حاجة إلى قتله .

{ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } أي : إن كنتم عازمين على ما تقولون .

قال محمد بن إسحاق بن يسار : لقد اجتمعوا على أمر عظيم ، من قطيعة الرحم ، وعقوق الوالد ، وقلة الرأفة بالصغير الضَّرَع الذي لا ذنب له ، وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة والفضل ، وخطره عند الله ، مع حق الوالد على ولده ، ليفرقوا بينه وبين ابنه{[15072]} وحبيبه ، على كبر سنه ، ورِقَّة عظمه ، مع مكانه من الله فيمن أحبه طفلا صغيرا ، وبين أبيه على ضعف قوته وصغر سنه ، وحاجته إلى لطف والده وسكونه إليه ، يغفر الله لهم وهو أرحم الراحمين ، فقد احتملوا أمرا عظيما .

رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن الفضل ، عنه .


[15070]:- في أ : "لا تغلوا".
[15071]:- في ت : "له".
[15072]:- في ت : "أبيه".