التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِن مِّنكُمۡ إِلَّا وَارِدُهَاۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتۡمٗا مَّقۡضِيّٗا} (71)

ثم بين - سبحانه - أن الجميع سيرد جهنم ، فقال : { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } .

وللعلماء أقوال متعددة فى المراد بقوله - تعالى { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } .

فمنهم من يرى أن المراد بورودها : دخولها فجميع الناس مؤمنهم وكافرهم يدخلونها ، إلا أن النار تكون براداً وسلاماً على المؤمنين عند دخولهم إياها ، وتكون لهيباً وسعيراً على غيرهم .

ومنهم من يرى أن المراد بورودها : رؤيتها والقرب منها والإشراف عليها دون دخولها . كما فى قوله - تعالى - { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } أى : أشرف عليه وقاربه .

ومنهم من يرى أن المراد بورودها : خصوص الكافرين ، أى : أنهم وحدهم هم الذين يردون عليها ويدخلونها . أما المؤمنون فلا يردون عليها ولا يدخلونها .

ويبدو لنا أن المراد بالورود هنا : الدخول ، أى : دخول النار بالنسبة للناس جميعاً إلا أنها تكون برداً وسلاماً على المؤمنين ، وهناك أدلة على ذلك منها .

أن هناك آيات قرآنية جاء فهيا الورود ، بمعنى الدخول ، ومن هذه الآيات قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار وَبِئْسَ الورد المورود } ومعنى فأوردهم : فأدخلهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِن مِّنكُمۡ إِلَّا وَارِدُهَاۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتۡمٗا مَّقۡضِيّٗا} (71)

وإن المؤمنين ليشهدون العرض الرهيب : ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا )فهم يردون فيدنون ويمرون بها وهي تتأجج وتتميز وتتلمظ ؛ ويرون العتاة ينزعون ويقذفون . (

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِن مِّنكُمۡ إِلَّا وَارِدُهَاۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتۡمٗا مَّقۡضِيّٗا} (71)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِن مّنكُمْ إِلاّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىَ رَبّكَ حَتْماً مّقْضِيّاً } .

يقول تعالى ذكره : وإن منكم أيها الناس إلا وارد جهنم ، كان على ربك يا محمد إيرادهموها قضاء مقضيا ، قد قضى ذلك وأوجبه في أمّ الكتاب .

واختلف أهل العلم في معنى الورود الذي ذكره الله في هذا الموضع ، فقال بعضهم : الدخول . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو ، قال : أخبرني من سمع ابن عباس يخاصم نافع بن الأزرق ، فقال ابن عباس : الورود : الدخول ، وقال نافع : لا ، فقرأ ابن عباس : إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّمَ أنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ أورود هو أم لا ؟ وقال : يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ فأوْرَدَهُمُ النّارَ وَبِئْسَ الوِرْدُ المَوْرُودُ أورود هو أم لا ؟ أما أنا وأنت فسندخلها ، فانظر هل نخرج منها أم لا ؟ وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك ، قال : فضحك نافع .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : قال أبو راشد الحَروريّ : ذكروا هذا فقال الحروريّ : لا يسمعون حَسيسها ، قال ابن عباس : ويلك أمجنون أنت ؟ أين قوله تعالى : يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ فأوْرَدَهُمُ النّارَ وَبِئْسَ الوِرْدِ المَوْرُودُ . وَنَسُوقُ المُجْرِمِينَ إلى جَهَنّمَ وِرْدا ، وقوله : وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها والله إن كان دعاء من مضى : اللهمّ أخرجني من النار سالما ، وأدخلني الجنة غانما .

قال ابن جريج : يقول : الورود الذي ذكره الله في القرآن : الدخول ، ليردنها كل برّ وفاجر في القرآن أربعة أوراد فأوْرَدَهُمُ النّارَ وَحَصَبُ جَهَنّمَ أنْتَمْ لَهَا وَارِدُونَ وَنَسُوقُ المُجْرِمِينَ إلى جَهَنّمَ وِرْدا ، وقوله : وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها كانَ عَلى رَبّكَ حَتْما مَقْضِيّا يعرف البرّ والفاجر ، ألم تسمع إلى قول الله تعالى لفرعون : يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ فأوْرَدَهُمُ النّارَ وَبِئْسَ الوِرْدِ المَوْرُودُ ، وقال وَنَسوق المُجْرِمِينَ إلى جَهَنّمَ وِرْدا فسمى الورود في النار دخولاً ، وليس بصادر .

حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن بكار بن أبي مروان ، عن خالد بن معدان ، قال : قال أهل الجنة بعد ما دخلوا الجنة : ألم يعدنا ربنا الورود على النار ؟ قال : قد مررتم عليها وهي خامدة .

قال ابن عرفة ، قال مروان بن معاوية ، قال بكار بن أبي مروان ، أو قال : جامدة .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا مرحوم بن عبد العزيز ، قال : ثني أبو عمران الجَوْنيّ ، عن أبي خالد قال : تكون الأرض يوما نارا ، فماذا أعددتم لها ؟ قال : فذلك قول الله : وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها كانَ عَلى رَبّكَ حَتْما مَقْضِيّا ثُمّ نُنَجّي الّذِينَ اتّقَوْا وَنَذَرُ الظّالِمِينَ فِيها جِثِيّا .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن الجريريّ ، عن أبي السليل ، عن غنيم بن قيس ، قال : ذكروا ورود النار ، فقال كعب : تُمْسَكُ النارُ للناس كأنها متن إهالة ، حتى يستويَ عليها أقدام الخلائق بَرّهم وفاجرهم ، ثم يناديها مناد : أن أمسكي أصحابك ، ودعي أصحابي ، قال : فيُخْسَف بكلّ وليّ لها ، ولهي أعلم بهم من الرجل بولده ، ويخرج المؤمنون ندية أبدانهم . قال : وقال كعب : ما بين منكبي الخازن من خزنتها مسيرة سنة ، مع كلّ واحد منهم عمود له شعبتان ، يدفع به الدّفْعة ، فيصرع به في النار سبع مئة ألف .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن مالك بن مغول ، عن أبي إسحاق ، قال : كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه ، قال : يا ليت أمي لم تلدني ، ثم يبكي ، فقيل : وما يبكيك يا أبا ميسرة ؟ قال : أَخبرنا أنا واردوها ، ولم يُخبرنا أنا صادرون عنها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن إسماعيل ، عن قيس ، قال : بكى عبد الله بن رواحة في مرضه ، فبكت امرأته ، فقال : ما يبكيكِ ، قالت : رأيتك تبكي فبكيت ، قال ابن رواحة : إني قد علمت إني وارد النار فما أدري أناج منها أنا أم لا ؟ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو عمرو داود بن الزبرقان ، قال : سمعت السديّ يذكر عن مرّة الهمداني ، عن ابن مسعود وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها قال : داخلها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها قال : يدخلها .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، قال : كان عبد الله بن رواحة واضع رأسه في حجر امرأته ، فبكى ، فبكت امرأته ، قال : ما يبكيك ؟ قالت : رأيتك تبكي فبكيت ، قال : إني ذكرت قول الله وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها فلا أدري أنجو منها ، أم لا ؟ .

وقال آخرون : بل هو المَرّ عليها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها يعني جهنم مرّ الناس عليها .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها قال : هو المرّ عليها .

حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر ، قال : أخبرنا إسرائيل ، قال : أخبرنا أبو إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله في قوله : وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها قال : الصراط على جهنم مثل حدّ السيف ، فتمرّ الطبقة الأولى كالبرق ، والثانية كالريح ، والثالثة كأجود الخيل ، والرابعة كأجود البهائم . ثم يمرّون والملائكة يقولون : اللهمّ سلم سلم .

وقال آخرون : بل الورود : هو الدخول ، ولكنه عنى الكفار دون المؤمنين . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرني عبد الله بن السائب ، عن رجل سمع ابن عباس يقرؤها وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها يعني الكفار ، قال : لا يردها مؤمن .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا عمرو بن الوليد الشّنّي ، قال : سمعت عكرمة يقول وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها يعني الكفار .

وقال آخرون : بل الورود عام لكلّ مؤمن وكافر ، غير أن ورود المؤمن المرور ، وورود الكافر الدخول . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها ورود المسلمين المرور على الجسر بين ظهريها وورود المشركين أن يدخلوها ، قال : وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «الزّالّونَ والزّالاّتُ يَؤْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَقَدْ أحاطَ الجِسْرَ سِماطانِ مِنَ المَلائكَةِ ، دَعْوَاهُمْ يَؤْمَئِذٍ يا أللّهُ سَلّمْ سَلّمْ » .

وقال آخرون : ورود المؤمن ما يصيبه في الدنيا من حمّى ومرض . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد قال : الحمى حظّ كلّ مؤمن من النار ، ثم قرأ : وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها .

حدثني عمران بن بكار الكلاعي ، قال : حدثنا أبو المغيرة ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبيد الله ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلاً من أصحابه وبه وعك وأنا معه ، ثم قال : «إن الله يقول : هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن ، لتكون حظه من النار في الاَخرة » .

وقال آخرون : يردُها الجميع ، ثم يصدر عنها المؤمنون بأعمالهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، قال : ثني السدي ، عن مرّة ، عن عبد الله وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها قال : يردُونها ثم يصدرون عنها بأعمالهم .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا شعبة ، عن السديّ ، عن مرّة ، عن عبد الله ، بنحوه .

حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدثنا أسباط ، عن عبد الملك ، عن عبيد الله ، عن مجاهد ، قال : كنت عند ابن عباس ، فأتاه رجل يقال له أبو راشد ، وهو نافع بن الأزرق ، فقال له : يا ابن عباس أرأيت قول الله وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها كانَ عَلى رَبّكَ حَتْما مَقْضِيّا قال : أما أنا وأنت يا أبا راشد فسنردها ، فانظر هل نصدر عنها أم لا ؟ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يُسأل عن الورود ، فقال : «نحن يوم القيامة على كوى أو كرى ، فوق الناس ، فتدعي الأمم بأوثانها ، وما كانت تعبد الأوّل فالأوّل ، فينطلق بهم ويتبعونه ، قال : ويعطي كلّ إنسان منافق ومؤمن نورا ، ويغشى ظلمة ثم يتبعونه ، وعلى جسر جهنم كلاليب تأخذ من شاء الله ، فَيُطْفأ نور المنافق ، وينجو المؤمنون ، فتنجو أوّل زمرة كالقمر ليلة البدر ، وسبعون ألفا لا حساب عليهم ، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء ، ثم كذلك ، ثم تحلّ الشفاعة فيشفعون ، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله ممن في قلبه وزن شعيرة من خير ، ثم يلقون تلقاء الجنة ، ويهريق عليهم أهل الجنة الماء ، فينبتون نبات الشيء في السيل ، ثم يسألون فيجعل لهم الدنيا وعشرة أمثالها » .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن المبارك ، عن الحسن ، قال : قال رجل لأخيه : هل أتاك بأنك وارد النار ؟ قال : نعم ، قال : فهل أتاك أنك صادر عنها ؟ قال : لا ، قال : ففيم الضحك ؟ قال : فما رؤي ضاحكا حتى لحق بالله .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا عمرو بن الحارث أن بكيرا حدّثه أنه قال لبسر بن سعيد : إن فلانا يقول : إن ورود النار القيام عليها . قال بسر : أما أبو هريرة فسمعته يقول : «إذا كان يوم القيامة ، يجتمع الناس نادى مناد : ليلحق كل أناس بما كانوا يعبدون ، فيقوم هذا إلى الحجر ، وهذا إلى الفرس ، وهذا إلى الخشبة حتى يبقى الذين يعبدون الله ، فيأتيهم الله ، فإذا رأوه قاموا إليه ، فيذهب بهم فيسلك بهم على الصراط ، وفيه عليق ، فعند ذلك يؤذن بالشفاعة ، فيمرّ الناس ، والنبيون يقولون : اللهمّ سلم سلم » . قال بكير : فكان ابن عميرة يقول : فناج مسلم ومنكوس في جهنم ومخدوش ، ثم ناج .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : يردها الجميع ثم يصدر عنها المؤمنون ، فينجيهم الله ، ويهوي فيها الكفار وورودهموها هو ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مرورهم على الصراط المنصوب على متن جهنم ، فناج مسلم ومكدس فيها .

ذكر الأخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن أمّ مبشر امرأة زيد بن حارثة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة : «لا يَدْخُلُ النّارَ أحَدٌ شَهِدَ بَدْرا والحُدَيْبِيَةَ » . قالت : فقالت حفصة : يا رسول الله ، أليس الله يقول : وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فمَهْ ثُمّ يَنَجّي اللّهُ الّذِين اتّقُوا » .

حدثنا الحسن بن مدرك ، قال : حدثنا يحيى بن حماد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن أمّ مبشر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن أمّ مبشر ، عن حفصة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّي لاَءَرْجُو أنْ لا يَدْخُلَ النّارَ أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرا والحُدَيْبِيَةَ » ، قالت : فقلت يا رسول الله ، أليس الله يقول وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها ؟ قال : «فَلَمْ تَسْمَعِيهِ يَقُولُ : ثُمّ نُنَجّي الّذِينَ اتّقَوْا وَنَذَرُ الظّالِمِينَ فِيها جِثِيّا » ؟

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقب ، عن سليمان بن عمرو بن عبد العِتْواريّ ، أحد بني ليث ، وكان في حجر أبي سعيد ، قال : سمعت أبا سعيد الخُدريّ يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «يُوضَعُ الصّرَاطُ بينَ ظَهْرَيْ جَهَنّمَ ، عَلَيْهِ حَسكٌ كحَسكِ السّعْدانِ ، ثُمّ يَسْتَجِيزُ النّاسُ ، فنَاجٍ مُسْلِمٌ ومَجْرُوحٌ بِهِ ، ثمّ ناجٍ ومُحْتَبِسٌ ومُكَدّسٌ فِيها ، حتى إذَا فَرَغَ اللّهُ مِنَ القَضَاءِ بينَ العِبادِ تَفَقّدَ المُؤْمِنُونَ رِجالاً كانُوا مَعَهُمْ فِي الدّنْيا يُصَلّونَ صَلاَتَهُمْ ، وَيُزَكّونَ زَكاتَهُمْ وَيَصُومُون صِيامَهُمْ ، ويَحُجّونَ حَجّهُمْ ، ويَغْزُونَ غَزْوَهُمْ ، فَيَقُولُونَ : أيّ رَبّنا عِبادٌ مِنْ عِبادِكَ كانُوا مَعَنا فِي الدنْيا ، يُصَلّونَ صَلاتَنا ، وَيُزَكّونَ زَكاتَنا ، وَيَصُومُونَ صِيامَنا ، ويَحُجّونَ حَجّنا ، ويَغْزُونَ غَزْونا ، لا نَرَاهُمْ ، فَيَقُولُ : اذْهَبُوا إلى النّارِ ، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِيها مِنْهُمْ فأخْرِجُوهُ ، فَيَجِدُونَهُمْ قَدْ أخَذَتْهُمُ النّارُ عَلى قَدْرِ أعمالِهمْ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ النّارُ إلى قَدَمَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ إلى نِصْفِ ساقَيهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ إلى رُكْبَتَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ إلى ثَدِيَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ إلى عُنُقِهِ ولَمْ تَغْشَ الوُجُوهَ ، فَيَسْتَخْرِجُونَهُمْ مِنْها ، فَيَطْرَحُونَهُمْ فِي ماءِ الحَياةِ » قِيلَ : وَما ماءُ الحَياةِ يا رَسول اللّهِ ؟ قال : «غُسْلُ أهْلِ الجَنّةِ ، فَيَنْبُتُونَ كمَا تَنْبُتُ الزّرْعَةُ فِي غُثاءِ السّيْلِ ، ثُمّ تَشْفَعُ الأنْبِياءُ فِي كُلّ مَنْ كانَ يَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللّهُ مُخْلِصا ، فَيَسْتَخْرِجُونَهُمْ مِنْها ، ثُمّ يَتَحَننُ اللّهُ برحْمَتِهِ عَلى مَنْ فِيها ، فَمَا يَتْرُكُ فِيها عَبْدا فِي قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرّةٍ مِنَ الإِيمَانِ إلاّ أخْرَجَهُ مِنْها » .

حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا أبي وشعيب بن الليث ، عن الليث بن خالد ، عن يزيد بن أبي هلال ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخُدريّ ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يُؤْتَى بالجِسْرِ يعني يوم القيامة فَيُجْعَلُ بينَ ظَهْرَيْ جَهَنمَ » قلنا : يا رسول الله وما الجسر ؟ قال : «مَدحَضَةٌ مزَلّةٌ ، عَلَيْهِ خَطاطِيفُ وكَلالِيبُ وحَسْكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لها شَوْكة عُقَيْفاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ ، يُقالُ لَهَا السّعْدانُ ، يَمُرّ المُؤْمِنُونَ عَلَيْها كالطّرْفِ والبَرْقِ وكالرّيحِ ، وكأجاوِدِ الخَيْلِ والرّكابِ ، فَناجٍ مُسْلِم ، ومَخْدُوشٌ مُسْلِمٌ ، ومَكْدُوسٌ فِي جَهَنّمَ ، ثُمّ يَمُرّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبا ، فَمَا أنْتُمْ بأشَدّ مُناشَدَةٍ لي فِي الحَقّ قَد تبَيّنَ لَكُمْ ، مِنَ المُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ للجَبّارِ تَبارَك وَتَعالى ، إذَا رأوْهُمْ قَدْ نَجَوا وَبَقِيَ إخْوانُهُمْ » .

حدثني أحمد بن عيسى ، قال : حدثنا سعيد بن كثير بن عُفَير ، قال : حدثنا ابن لَهيعة ، عن أبي الزبير ، قال : سألت جابر بن عبد الله عن الورود ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «هُوَ الدّخولُ ، يَردُونَ النّارَ حتى يَخْرُجُوا مِنْها ، فآخِرُ مَنْ يَبْقَى رَجُلٌ عَلى الصّراطِ يَزْحَفُ ، فَيرْفَعُ اللّهُ لَهُ شَجَرَةً ، قالَ : فَيَقُولُ : أيْ رَبّ أدْنَنِي مِنْها ، قالَ : فَيُدْنِيهِ اللّهُ تَبارَكَ وتَعَالى مِنْها ، قالَ : ثُمّ يَقُولُ : أيْ رَبّ أدْخِلْنِي الجَنّةَ ، قالَ : فَيَقُولُ : سَلْ ، قالَ : فَيَسألُ ، قال : فَيَقُولُ : ذلكَ لَكَ وَعَشْرَةُ أضْعافِهِ أوْ نَحْوُها قالَ : فَيَقُولُ : يا رَبّ تَسْتَهْزِىءُ بِي ؟ قالَ : فَيَضْحَكُ حتى تَبْدُو لَهْوَاتُهُ وأضْرَاسُهُ » .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يحيى بن أيوب «ح » وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا محمد بن زيد ، عن رشدين ، جميعا عن زياد بن فائد ، عن سهل بن معاذ ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «مَنْ حَرَسَ وَرَاءَ المُسْلِمِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ مُتَطَوّعا ، لا يأْخُذُهُ سُلْطانٌ بحرَسٍ ، لَمْ يَرَ النّارَ بعَيْنِهِ إلاّ تَحِلّةَ القَسَمِ ، فإنّ اللّهَ تَعالى يَقُولُ وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها » .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرّزاق ، قال : أخبرنا معمر ، أخبرني الزهريّ ، عن ابن المسيب عن أبي هريرة ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «مَنْ ماتَ لَهُ ثَلاثَةٌ لَمْ تَمَسّهُ النّارُ إلاّ تَحِلّةَ القَسَمِ » يعني : الورود .

وأما قوله : كانَ عَلَى رَبّكَ حَتْما مَقْضِيّا فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم معناه : كان على ربك قضاء مقضيا . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : حَتْما قال : قضاء .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج حَتْما مَقْضِيّا قال : قضاء .

وقال آخرون : بل معناه : كان على ربك قسما واجبا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو عمرو داود بن الزّبْرِقان ، قال : سمعت السديّ يذكر عن مرّة الهمدانيّ ، عن ابن مسعود كانَ عَلى رَبّكَ حَتْما مَقْضِيّا قال : قسما واجبا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة كانَ عَلى رَبّكَ حَتْما مَقْضِيّا يقول : قسما واجبا .

قال أبو جعفر : وقد بيّنت القول في ذلك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِن مِّنكُمۡ إِلَّا وَارِدُهَاۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتۡمٗا مَّقۡضِيّٗا} (71)

لمّا ذكر انتزاع الذين هم أولى بالنّار من بقية طوائف الكفر عطف عليه أنّ جميع طوائف الشرك يدخلون النار ، دفعاً لتوهم أنّ انتزاع من هو أشد على الرحمان عتياً هو قصارى ما ينال تلك الطوائف من العذاب ؛ بأن يحسبوا أنّ كبراءهم يكونون فداء لهم من النّار أو نحو ذلك ، أي وذلك الانتزاع لا يصرف بقية الشيع عن النّار فإن الله أوجب على جميعهم النّار .

وهذه الجملة معترضة بين جملة { فوربك لنحشرنهم } [ مريم : 68 ] الخ وجملة { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا } [ مريم : 73 ] الخ . . .

فالخطاب في { وإن منكم } التفات عن الغيبة في قوله { لنحشرنّهم ولنحضرنّهم } [ مريم : 68 ] ؛ عدل عن الغيبة إلى الخطاب ارتقاء في المواجهة بالتهديد حتى لا يبقى مجال للالتباس المراد من ضمير الغيبة فإن ضمير الخطاب أعرَف من ضمير الغيبة . ومقتضى الظاهر أن يقال : وإن منهم إلا واردها . وعن ابن عبّاس أنّه كان يقرأ { وإن منهم } . وكذلك قرأ عِكرمة وجماعة .

فالمعنى : وما منكم أحد ممن نُزع من كلّ شيعة وغيرِه إلاّ واردُ جهنّم حتماً قضاه الله فلا مبدل لكلماته ، أي فلا تحسبوا أن تنفعكم شفاعتهم أو تمنعكم عزّة شِيعكم ، أو تُلقون التبعة على سادتكم وعظماء أهل ضلالكم ، أو يكونون فداء عنكم من النّار . وهذا نظير قوله تعالى : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين } [ الحجر : 42 ، 43 ] ، أي الغاوين وغيرهم .

وحرف ( إنْ ) للنفي .

والورود : حقيقته الوصول إلى الماء للاستقاء . ويطلق على الوصول مطلقاً مجازاً شائعاً ، وأما إطلاق الورود على الدخول فلا يُعرف إلا أن يكون مجازاً غير مشهور فلا بد له من قرينة .