التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّهُمۡ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَيۡهِمۡ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (5)

ثم أرشدهم - سبحانه - إلى السلوك الأفضل فقال - تعالى - : { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حتى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } .

أى : ولو أن هؤلاء الذين ينادونك - أيها الرسول الكريم - من وراء الحجرات ، صبروا عليك حتى تخرج إليهم ولم يتعجلوا بندائك بتلك الصورة الخالية من الأدب ، لكان صبرهم خبرا لهم { والله } - تعالى - { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أى : واسع المغفرة والرحمة .

قال صاحب الكشاف : يحكى عن أبى عبيد - العالم الزاهد الثقة - أنه قال : ما دققت باب عالم قط ، حتى يخرج فى وقت خروجه .

وقوله : { أَنَّهُمْ صَبَرُواْ } فى موضع رفع على الفاعلية ، لأن المعنى : ولو ثبت صبرهم .

فإن قلت : هل من فرق بين قوله { حتى تَخْرُجَ } وإلى أن تخرج ؟

قلت : إن " حتى " مختصة بالغاية المضروبة ، تقول : أكلت السمكة حتى رأسها ، ولو قلت : حتى نصفها ، أو صدرها ، لم يجز ، و " إلى " عامة فى كل غاية ، فقد أفادت " حتى " بوضعها : أن خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم غاية قد ضرب لصبرهم ، فما كان لهم أن يقطعوا أمرا دون الانتهاء إليه .

فإن قلت : فأى فائدة فى قوله { إِلَيْهِمْ } ؟ قلت : فيه أنه لو خرج ولم يكن خروجه إليهم ولأجلهم ، للزمهم أن يصبروا إلى أن يعلموا أن خروجه إليهم .

هذا والمتدبر فى هذه الآيات الكريمة ، يراها قد رسمت للمؤمنين أسمى ألوان الأدب فى مخاطبتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفى إلزامهم بألا يقولوا قولا أو يفعلوا فعلا ، يتعلق بشأن من شئون دينهم إلا بعد معرفتهم بأن هذا القول أو الفعل يستند إلى حكم شرعى ، شرعه الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .

كما أنه يراها قد مدحت الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذمت الذين لا يلتزمون هذا الأدب عند مخاطبته أو ندائه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّهُمۡ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَيۡهِمۡ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (5)

وبين لهم الأولى والأفضل وهو الصبر والانتظار حتى يخرج إليهم . وحبب إليهم التوبة والإنابة ، ورغبهم في المغفرة والرحمة .

وقد وعى المسلمون هذا الأدب الرفيع ، وتجاوزوا به شخص رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى كل أستاذ وعالم . لا يزعجونه حتى يخرج إليهم ؛ ولا يقتحمون عليه حتى يدعوهم . . يحكى عن أبي عبيد - العالم الزاهد الراوية الثقة - أنه قال : " ما دققت بابا على عالم قط حتى يخرج في وقت خروجه " . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّهُمۡ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَيۡهِمۡ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (5)

وقوله : وَلَوْ أنّهُمْ صَبَرُوا حتى تَخْرُجَ إلَيْهِمْ لَكانَ خَيْرا لهُمْ يقول تعالى ذكره : ولو أن هؤلاء الذين ينادونك يا محمد من وراء الحجرات صبروا فلم ينادوك حتى تخرج إليهم إذا خرجت ، لكان خيرا لهم عند الله ، لأن الله قد أمرهم بتوقيرك وتعظيمك ، فهم بتركهم نداءك تاركون ما قد نهاهم الله عنه ، واللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يقول تعالى ذكره : الله ذو عفو عمن ناداك من وراء الحجاب ، إن هو تاب من معصية الله بندائك كذلك ، وراجع أمر الله في ذلك وفي غيره رحيم به أن يعاقبه على ذنبه ذلك من بعد توبته منه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّهُمۡ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَيۡهِمۡ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (5)

وقوله تعالى : { لكان خيراً لهم } يعني في الثواب عند الله وفي انبساط نفس النبي صلى الله عليه وسلم وقضائه لحوائجهم ووده لهم ، وذلك كله خير ، لا محالة أن بعضه انزوى بسبب جفائهم .

وقوله تعالى : { والله غفور رحيم } ترجية لهم وإعلام بقبوله توبة التائب وغفرانه ورحمته لمن أناب ورجع .