ثم قال تعالى : { ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم } إشارة إلى حسن الأدب الذي على خلاف ما أتوا به من سوء الأدب فإنهم لو صبروا لما احتاجوا إلى النداء ، وإذا كنت تخرج إليهم فلا يصح إتيانهم في وقت اختلائك بنفسك أو بأهلك أو بربك ، فإن للنفس حقا وللأهل حقا ، وقوله تعالى : { لكان خيرا لهم } يحتمل وجهين ( أحدهما ) أن يكون المراد أن ذلك هو الحسن والخير كقوله تعالى : { خير مستقرا } ، ( وثانيهما ) أن يكون المراد هو أن بالنداء وعدم الصبر يستفيدون تنجيز الشغل ودفع الحاجة في الحال وهو مطلوب ، ولكن المحافظة على النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه خير من ذلك ، لأنها تدفع الحاجة الأصلية التي في الآخرة وحاجات الدنيا فضلية ، والمرفوع الذي يقتضيه كلمة كان إما الصبر وتقديره لو أنهم صبروا لكان الصبر خيرا ، أو الخروج من غير نداء وتقديره لو صبروا حتى تخرج إليهم لكان خروجك من غير نداء خيرا لهم ، وذلك مناسب للحكاية ، لأنهم طلبوا خروجه عليه الصلاة والسلام ليأخذوا ذراريهم ، فخرج وأعتق نصفهم وأخذوا نصفهم ، ولو صبروا لكان يعتق كلهم والأول أصح .
قوله تعالى : { والله غفور رحيم } تحقيقا لأمرين ( أحدهما ) لسوء صنيعهم في التعجل ، فإن الإنسان إذا أتى بقبيح ولا يعاقبه الملك أو السيد يقال ما أحلم سيده لا لبيان حلمه ، بل لبيان عظيم جناية العبد ( وثانيهما ) لحسن الصبر يعني بسبب إتيانهم بما هو خير ، يغفر الله لهم سيئاتهم ويجعل هذه الحسنة كفارة لكثير من السيئات ، كما يقال للآبق إذا رجع إلى باب سيده أحسنت في رجوعك وسيدك رحيم ، أي لا يعاقبك على ما تقدم من ذنبك بسبب ما أتيت به من الحسنة ويمكن أن يقال بأن ذلك حث للنبي صلى الله عليه وسلم على الصفح ، وقوله تعالى : { أكثرهم لا يعقلون } كالعذر لهم ، وقد ذكرنا أن الله تعالى ذكر في بعض المواضع الغفران قبل الرحمة ، كما في هذه السورة وذكر الرحمة قبل المغفرة في سورة سبأ في قوله { وهو الرحيم الغفور } فحيث قال : غفور رحيم أي يغفر سيئاته ثم ينظر إليه فيراه عاريا محتاجا فيرحمه ويلبسه لباس الكرامة وقد يراه مغمورا في السيئات فيغفر سيئاته ، ثم يرحمه بعد المغفرة ، فتارة تقع الإشارة إلى الرحمة التي بعد المغفرة فيقدم المغفرة ، وتارة تقع الرحمة قبل المغفرة فيؤخرها ، ولما كانت الرحمة واسعة توجد قبل المغفرة وبعدها ذكرها قبلها وبعدها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.