التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (9)

وبعد هذا التوبيخ والتحدى لليهود الذين زعموا أنهم أولياء لله من دون الناس . . . وجه - سبحانه - للمؤمنين نداء أمرهم فيه بالمسارعة إلى أداء فرائضه ونهاهم عن أن تشغلهم دنياهم عن ذكره وطاعته ، فقال - تعالى - : { ياأيها الذين آمنوا . . . } .

المقصود بالنداء فى قوله - سبحانه - : { ياأيها الذين آمنوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ . . . } جميع المكلفين بها ، الذين يجب عليهم أداؤها . .

وناداهم - سبحانه - بصفة الإيمان ، لتحريك حرارة الإيمان فى قلوبهم ، ولتحريضهم على المسارعة إليها ، إذ من شأن المؤمن القوى ، أن يكون مطيعا لما يأمره خالقه به .

والمراد بالنداء : الأذان والإعلام بوقت حلولها .

والمقصود بالصلاة المنادى لها هنا : صلاة الجمعة ، بدليل قوله - تعالى - : { مِن يَوْمِ الجمعة } .

واللام فى قوله { لِلصَّلاَةِ } للتعليل ، و { مِن } بمعنى فى ، أو للبيان ، أو للتبعيض ، لأن يوم الجمعة زمان ، تقع فيه أعمال ، منها الصلاة المعهودة فيه وهى صلاة الجمعة لأن الأمر بترك البيع خاص بها ، لوجود الخطبة فيها .

وقوله : { فاسعوا . . . } جواب الشرط ، من السعى ، وهو المشى السريع .

والمراد به هنا : المشى المتوسط بوقار وسكينة ، وحسن تهيؤ لصلاة الجمعة . . .

قال الآلوسى ما ملخصه : قوله : { فاسعوا إلى ذِكْرِ الله } أى : امشوا إليه بدون إفراط فى السرعة . . .

فقد أخرج الستة فى كتبهم عن أبى سلمة من حديث أبى هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ، وأتوها وأنتم تمشون ، وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا " .

والمراد بذكر الله : الخطبة والصلاة جميعا ، لاشتمالهما عليه ، واستظهر بعضهم أن المراد به الصلاة ، وقصره بعضهم على الخطبة . .

وإنما عبر - سبحانه - بالسعى لتضمنه معنى زائدا على المشى ، وهو الجد والحرص على التبكير ، وعلى توقى التأخير .

والمعنى : يامن آمنتم بالله حق الإيمان ، إذا نادى المنادى لأجل الصلاة فى يوم الجمعة ، فامضوا إليها بجد ، وإخلاص نية ، وحرص على الانتفاع بما تسمعونه من خطبة الجمعة ، التى هى لون من ألوان ذكر الله - تعالى - وطاعته .

والأمر فى قوله - سبحانه - : { فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُواْ البيع . . } الظاهر أنه للوجوب ، لأن الأمر يقتضى الوجوب ، ما لم يوجد له صارف عن ذلك ، ولا صارف له هنا .

والمراد من البيع هنا : المعاملة بجميع أنواعها ، فهو يعم البيع والشراء وسائر أنواع المعاملات .

أى : إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة ، فاخرجوا إليها بحرص وسكينة ووقار . واتركوا المعاملات الدنيوية من بيع ، وشراء ، وإجارة ، وغيرها .

وإنما قال - سبحانه - : { وَذَرُواْ البيع . . } لأنه أهم أنواع المعاملات ، فهو من باب التعبير عن الشىء بأهم أجزائه .

واسم الإشارة فى قوله - سبحانه - : { ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } يعود إلى ما سبق ذكره من الأمر بالسعى إلى ذكر الله ، متى نودى للصلاة ، وترك الاشتغال بالبيع وما يشبهه .

أى : ذلك الذى أمرتكم به من السعى إلى ذكر الله عند النداء للصلاة من يوم الجمعة ، ومن ترك أعمالكم الدنيوية .

. . خير لكم مما يحصل لكم من رزق فى هذه الأوقات ، عن طريق البيع أو الشراء أو غيرهما .

فالمفضل عليه محذوف ، لدلالة الكلام عليه ، والمفضل هو السعى إلى ذكر الله - تعالى - .

وهذا التفضيل باعتبار أن منافع السعى إلى ذكر الله - تعالى - باقية دائمة ، أما المنافع الدنيوة فهى زائلة فانية .

وجواب الشرط فى قوله { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } محذوف : أى : إن كنتم تعلمون ما هو خير لكم ، فاسعوا إلى ذكر الله عند النداء للصلاة ، واتركوا البيع والشراء .

أو إن كنتم من أهل العلم والفقه السليم للأمور ، عرفتم أن امتثال أمر الله - تعلى - بأن تسعوا ، إلى ذكره عند النداء لصلاة الجمعة ، خير لكم من الاشتغال فى هذا الوقت بالبيع والشراء .

إذ فى هذا الامتثال سعادتكم ونجاتكم من خزى الدنيا وعذاب الآخرة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (9)

والآن يجيء المقطع الأخير في السورة خاصا بتعليم يتعلق بالجمعة ، بمناسبة ذلك الحادث الذي وقع ربما أكثر من مرة ، لأن الصيغة تفيد التكرار :

يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع . ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون . فإذا قضيت الصلاة فاننتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون .

( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما . قل : ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة . والله خير الرازقين ) . .

وصلاة الجمعة هي الصلاة الجامعة ، التي لا تصح إلا جماعة . . وهي صلاة أسبوعية يتحتم أن يتجمع فيها المسلمون ويلتقوا ويستمعوا إلى خطبة تذكرهم بالله . وهي عبادة تنظيمية على طريقة الإسلام في الإعداد للدنيا والآخرة في التنظيم الواحد وفي العبادة الواحدة ؛ وكلاهما عبادة . وهي ذات دلالة خاصة على طبيعة العقيدة الإسلامية الجماعية التي تحدثنا عنها في ظلال سورة الصف . وقد وردت الأحاديث الكثيرة في فضل هذه الصلاة والحث عليها والاستعداد لها بالغسل والثياب والطيب .

جاء في الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل " .

وروى أصحاب السنة الأربعة من حديث أوس بن أوس الثقفي قال : سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : " من غسل واغتسل يوم الجمعة ، وبكر وابتكر ، ومشى ولم يركب ، ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ ، كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها " . .

وروى الإمام أحمد من حديث كعب بن مالك عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : " من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب أهله إن كان عنده ، ولبس من أحسن ثيابه ، ثم خرج يأتي المسجد ، فيركع إن بدا له ، ولم يؤذ أحدا ، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي ، كانت كفارة لما بينهما وبين الجمعة الأخرى " . .

والآية الأولى في هذا المقطع تأمر المسلمين أن يتركوا البيع - وسائر نشاط المعاش - بمجرد سماعهم للأذان :

( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) . .

وترغبهم في هذا الانخلاع من شؤون المعاش والدخول في الذكر في هذا الوقت :

( ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) . .

مما يوحي بأن الانخلاع من شؤون التجارة والمعاش كان يقتضي هذا الترغيب والتحبيب . وهو في الوقت ذاته تعليم دائم للنفوس ؛ فلا بد من فترات ينخلع فيها القلب من شواغل المعاش وجواذب الأرض ، ليخلو إلى ربه ، ويتجرد لذكره ، ويتذوق هذا الطعم الخاص للتجرد والاتصال بالملأ الأعلى ، ويملأ قلبه وصدره

من ذلك الهواء النقي الخالص العطر ويستروح شذاه !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (9)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا نُودِيَ لِلصّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَىَ ذِكْرِ اللّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من عباده : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمْعَةِ وذلك هو النداء ، ينادى بالدعاء إلى صلاة الجمعة عند قعود الإمام على المنبر للخطبة ومعنى الكلام : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّهِ يقول : فامضوا إلى ذكر الله ، واعملوا له وأصل السعي في هذا الموضع العمل ، وقد ذكرنا الشواهد على ذلك فيما مضى قبل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن شُرَحْبيل بن مسلم الخَوْلانيّ ، في قول الله : فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّهُ قال : فاسعوا في العمل ، وليس السعي في المشي .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ للَصّلاةِ مِنْ يَوْم الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ الله والسعي يا بن آدم أن تسعى بقلبك وعملك ، وهو المضي إليها .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عدّي ، عن شعبة ، قال : أخبرني مغيرة ، عن إبراهيم أنه قيل لعمر رضي الله عنه : إن أُبيّا يقرؤها : فاسْعَوْا قال : أما إنه أقرؤنا وأعلمنا بالمنسوخ وإنما هي «فامضوا » .

حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري ، قال : أخبرنا سفيان ، عن الزهريّ ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : ما سمعت عمر يقرؤها قطّ إلاّ فامضوا .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا حنظلة ، عن سالم بن عبد الله ، قال : كان عمر رضي الله عنه يقرؤها : «فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّهِ » .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن حنظلة ، عن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قرأها : فامضوا .

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا حنظلة بن أبي سفيان الجمحيّ ، أنه سمع سالم بن عبد الله يحدّث عن أبيه ، أنه سمع عمر بن الخطاب يقرأ : «إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمْعَةِ فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّهِ » .

قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر ، أن عبد الله قال : لقد توفى الله عمر رضي الله عنه ، وما يقرأ هذه الاَية التي ذكر الله فيها الجمعة : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمْعَةِ إلا «فامضوا » إلى ذكر الله .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : كان عبد الله يقرؤها : «فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّهِ » ويقول : لو قرأتها فاسعوا ، لسعيت حتى يسقط ردائي .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن عدّي ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن إبراهيم ، قال : قال عبد الله : لو كان السعي لسعيت حتى يسقط ردائي ، قال : ولكنها : «فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّهِ » قال : هكذا كان يقرؤها .

حدثني عليّ بن الحسين الأزدي ، قال : حدثنا يحيى بن يمان الأزدي ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع عن أبي العالية أنه كان يقرؤها : «فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّهِ » .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، أنه قرأها : «فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّهِ » .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء ، قال : هي للأحرار .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن منصور عن رجل ، عن مسروق ، قال : عند الوقت .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن رجل ، عن مسروق إذَا نُودِيَ للصّلاةِ قال : عند الوقت .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، قال : هو عند العزمة عند الخطبة ، عند الذكر .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ قال : النداء عند الذكر عزيمة .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ قال : العزمة عند الذكر عند الخطبة .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان عن المُغيرة والأعمش ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود ، قال : لو قرأتها فاسْعَوْا لسعيت حتى يسقط ردائي ، وكان يقرؤها : «فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّهِ » .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن الشعبيّ ، عن ابن مسعود قال : قرأها فامْضُوا .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي حيان ، عن عكرمة فاسْعَوْا إلى ذِكْر اللّهِ قال : السعي : العمل .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وسألته عن قول الله : إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّهِ قال : إذا سمعتم الداعي الأوّل ، فأجيبوا إلى ذلك وأسرعوا ولا تبطئوا قال : ولم يكن في زمان النبيّ صلى الله عليه وسلم أذان إلا أذانان : أذان حين يجلس على المنبر ، وأذان حين تُقام الصلاة قال : وهذا الاَخر شيء أحدثه الناس بعد قال : لا يحلّ له البيع إذا سمع النداء الذي يكون بين يدي الإمام إذا قعد على المنبر وقرأ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّهِ وَذَرُوا البَيْعَ قال : ولم يأمرهم يذرون شيئا غيره ، حرّم البيع ثم أذن لهم فيه إذا فرغوا من الصلاة ، قال : والسعي أن يُسرع إليها ، أن يُقبِل إليها .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : إن في حرف ابن مسعود «إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّهِ » .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّهِ السعي : هو العمل ، قال الله : إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى .

وقوله : وَذَرُوا البَيْعَ يقول : ودعوا البيع والشراء إذا نودي للصلاة عند الخطبة . وكان الضحاك يقول في ذلك ما :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك ، قال : إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء .

حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ قال : إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء .

حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل السديّ ، عن أبي مالك ، قال : كان قوم يجلسون في بقيع الزبير ، فيشترون ويبيعون إذا نودي للصلاة يوم الجمعة ، ولا يقومون ، فنزلت : إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ .

وأما الذكر الذي أمر الله تبارك وتعالى بالسعي إليه عباده المؤمنين ، فإنه موعظة الإمام في خطبته فيما قيل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ قال : العزمة عند الذكر عند الخطبة .

حدثنا عبد الله بن محمد الحنفي ، قال : حدثنا عبدان ، قال : أخبرنا عبد الله ، قال : أخبرنا منصور رجل من أهل الكوفة ، عن موسى بن أبي كثير ، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّهِ قال : فهي موعظة الإمام فإذا قضيت الصلاة بعد .

وقوله : ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يقول : سعيكم إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة إلى ذكر الله ، وترك البيع خير لكم من البيع والشراء في ذلك الوقت ، إن كنتم تعلمون مصالح أنفسكم ومضارّها .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : مِنْ يَوْم الجُمُعَةِ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار : الجُمُعَةِ بضم الميم والجيم ، خلا الأعمش فإنه قرأها بتخفيف الميم .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار لإجماع الحجة من القرّاء عليه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (9)

يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة أي إذا أذن لها من يوم الجمعة بيان ل إذا وإنما سمي جمعة لاجتماع الناس فيه للصلاة وكانت العرب تسميه العروبة وقيل سماه كعب بن لؤي لاجتماع الناس فيه إليه وأول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم المدينة نزل قباء فأقام بها إلى الجمعة ثم دخل المدينة وصلى الجمعة في واد لبني سالم بن عوف فاسعوا إلى ذكر الله فامضوا إليه مسرعين قصدا فإن السعي دون العدو وال ذكر الخطبة وقيل الصلاة والأمر بالسعي إليها يدل على وجوبها وذروا البيع واتركوا المعاملة ذلكم أي السعي إلى ذكر الله خير لكم من المعاملة فإن نفع الآخرة خير وأبقى إن كنتم تعلمون الخير والشر الحقيقيين أو إن كنتم من أهل العلم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (9)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة} يقول: إذا نودي إلى الصلاة و" من "ها هنا صلة {من يوم الجمعة} يعني إذا جلس الإمام على المنبر {فاسعوا إلى ذكر الله} يقول: فامضوا إلى الصلاة المكتوبة {وذروا البيع ذلكم} يعني الصلاة {خير لكم} من البيع والشراء {إن كنتم تعلمون}.

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

يحيى: قال مالك: وإنما السعي في كتاب الله العمل والفعل. يقول الله تبارك وتعالى: {وإذا تولى سعى في الأرض}.

وقال تعالى: {وأما من جاءك يسعى}: {ثم أدبر يسعى}. وقال: {إن سعيكم لشتى}. قال مالك: فليس السعي الذي ذكر الله في كتابه بالسعي على الأقدام، ولا الاشتداد، وإنما على العمل والفعل...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من عباده: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله" إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمْعَةِ "وذلك هو النداء، ينادى بالدعاء إلى صلاة الجمعة عند قعود الإمام على المنبر للخطبة ومعنى الكلام: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة "فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّهِ" يقول: فامضوا إلى ذكر الله، واعملوا له، وأصل السعي في هذا الموضع العمل، وقد ذكرنا الشواهد على ذلك فيما مضى قبل... كان عمر رضي الله عنه يقرأها: «فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّهِ»...

وقوله: "وَذَرُوا البَيْعَ" يقول: ودعوا البيع والشراء إذا نودي للصلاة عند الخطبة. وكان الضحاك يقول:.. إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء...

وأما الذكر الذي أمر الله تبارك وتعالى بالسعي إليه عباده المؤمنين، فإنه موعظة الإمام في خطبته فيما قيل...

وقوله: "ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" يقول: سعيكم إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة إلى ذكر الله، وترك البيع خير لكم من البيع والشراء في ذلك الوقت، إن كنتم تعلمون مصالح أنفسكم ومضارّها.

أحكام القرآن للجصاص 370 هـ :

واتفق الجميع أيضاً على أن المراد بهذا النداء هو الأذان... ورُوي عن ابن عمر والحسن في قوله: {إِذَا نُودِيَ للصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ} قال: إذا خرج الإمام وأذّن المؤذّن فقد نُودي للصلاة...

جهود ابن عبد البر في التفسير 463 هـ :

والذكر هاهنا: الصلاة والخطبة بإجماع. (س: 5/128)...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

أراد الأمر بترك ما يذهل عن ذكر الله من شواغل الدنيا، وإنما خص البيع من بينها لأن يوم الجمعة يوم يهبط الناس فيه من قراهم وبواديهم، وينصبون إلى المصر من كل أوب ووقت هبوطهم واجتماعهم واغتصاص الأسواق بهم إذا انتفخ النهار وتعالى الضحى ودنا وقت الظهيرة، وحينئذٍ تحرّ التجارة ويتكاثر البيع والشراء، فلما كان ذلك الوقت مظنة الذهول بالبيع عن ذكر الله والمضي إلى المسجد، قيل لهم: بادروا تجارة الآخرة، واتركوا تجارة الدنيا، واسعوا إلى ذكر الله الذي لا شيء أنفع منه وأربح {وَذَرُواْ البيع} الذي نفعه يسير وربحه مقارب...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وجه التعلق بما قبلها هو أن الذين هادوا يفرون من الموت لمتاع الدنيا وطيباتها والذين آمنوا يبيعون ويشرون لمتاع الدنيا وطيباتها كذلك، فنبههم الله تعالى بقوله: {فاسعوا إلى ذكر الله} أي إلى ما ينفعكم في الآخرة، وهو حضور الجمعة، لأن الدنيا ومتاعها فانية والآخرة وما فيها باقية، قال تعالى: {والآخرة خير وأبقى} ووجه آخر في التعلق، قال بعضهم: قد أبطل الله قول اليهود في ثلاث، افتخروا بأنهم أولياء الله وأحباؤه، فكذبهم بقوله: {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} وبأنهم أهل الكتاب، والعرب لا كتاب لهم، فشبههم بالحمار يحمل أسفارا، وبالسبت وليس للمسلمين مثله فشرع الله تعالى لهم الجمعة

، وقوله تعالى: {للصلاة} أي لوقت الصلاة يدل عليه قوله: {من يوم الجمعة} ولا تكون الصلاة من اليوم، وإنما يكون وقتها من اليوم،

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{يا أيها الذين آمنوا} أي أقروا بألسنتهم بالإيمان وألهبهم بأداة البعد -المشيرة إلى احتياجهم إلى التزكية- إلى المبادرة إلى الإقبال على ما يتعقب ذلك من الأوامر {إذا نودي} أي من أي مناد كان من أهل النداء {للصلاة} أي لأجل الحضور إليها وإليه عند قعود الإمام على المنبر للخطبة. ولما كانت الإجابة يكفي في إيجابها النداء في الوقت المعروف للنداء ولا يشترط لها استغراق النداء لجميع اليوم أتى بالجار فقال: {من يوم الجمعة} أي اليوم الذي عرض على من قبلنا فأبوه فكانوا كمثل الحمار يحمل أسفاراً وادخره الله لنا ووفقنا لقبوله، فكانوا لنا تبعاً مع تأخرنا عنهم في الزمان، سمي بذلك لوجوب الاجتماع فيه للصلاة...

. {فاسعوا} أي لتكونوا أولياء الله ولا تهاونوا في ذلك لتكونوا أعداءه كاليهود {إلى ذكر الله} أي الخطبة والصلاة المذكرة بالملك الأعظم الذي من انقطع عن خدمته هلك... ولما أمر بالمبادرة إلى تجارة الآخرة، وكان طلب الأرباح لكونها حاضرة أعظم مانع عن أمور الآخرة لكونها غايته، وكان البيع أجل ذلك لتعين الفائدة فيه... قال ناهياً عن تجارة الدنيا وكل ما يعوق عن الجمعة معبراً به عنها لأنه أعظمها: {وذروا البيع} أي اتركوه ولو على أقبح حالاته وأذلها وأحقرها، فأفاد النهي عن غيره من باب الأولى، ووقت التحريم من الزوال إلى فراغ الصلاة... ولما أمر بما هو شاق على النفوس معبراً بالفعل المريض لفظاً ومعنى، رغب فيه بقوله: {ذلكم} أي الأمر العالي الرتبة من فعل السعي وترك الاشتغال بالدنيا {خير لكم} لأن الذي أمركم به له الأمر كله وهو يريد تطهيركم في أديانكم وأبدانكم وأموالكم وبيده إسعادكم وإشقاؤكم، وألهب إلى ذلك وزاد في الحث عليه بقوله: {إن كنتم} أي بما هو لكم كالجبلة {تعلمون} أي يتجدد لكم علم في يوم من الأيام فأنتم ترون ذلك خيراً، فإذا علمتموه خيراً أقبلتم عليه فكان ذلك لكم خيراً...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

الآية الأولى في هذا المقطع تأمر المسلمين أن يتركوا البيع -وسائر نشاط المعاش- بمجرد سماعهم للأذان: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع).. وترغبهم في هذا الانخلاع من شؤون المعاش والدخول في الذكر في هذا الوقت: (ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).. مما يوحي بأن الانخلاع من شؤون التجارة والمعاش كان يقتضي هذا الترغيب والتحبيب. وهو في الوقت ذاته تعليم دائم للنفوس؛ فلا بد من فترات ينخلع فيها القلب من شواغل المعاش وجواذب الأرض، ليخلو إلى ربه، ويتجرد لذكره، ويتذوق هذا الطعم الخاص للتجرد والاتصال بالملأ الأعلى، ويملأ قلبه وصدره من ذلك الهواء النقي الخالص العطر ويستروح شذاه!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذه الآيات هي المقصود من السورة وما قبلها مقدمات وتوطئات لها...