غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (9)

قال جار الله : يوم الجمعة بالسكون الفوج المجموع كضحكة للمضحوك منه ، وضمَّ الميم تثقيل لها كما قيل في عسرة عسرة . قلت : ومما يدل على أن أصلها الكسون جمعها على جمع كقدرة وقدر . وفي الكشاف أن { من يوم الجمعة } بيان " إذا " وتفسير له . وأقوال : إن اليوم أعم من وقت النداء والعام . لإبهامه لا يصير بياناً ظاهراً فالأولى أن تكون " من " للتبعيض . والنداء الأذان في أول وقت الظهر ، وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن واحد فكان إذا جلس على المنبر أذن على باب المسجد فإذا نزل أقام للصلاة ، ثم كان أبو بكر وعمر على ذلك ، حتى إذا كان عثمان وكثر الناس زاد مؤذناً آخر ، مؤذن على داره التي تسمى زوراء فإذا جلس على المنبر أذن المؤذن الثاني ، فإذا نزل أقام للصلاة . وعن ابن عباس : إن أول جمعة في الإسلام بعد جمعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لجمعة اجتمعت بجواثى قرية من قرى البحرين من قرى عبد القيس وروي أن الأنصار بالمدينة اجتمعوا إلى أسعد بن زرارة . وكنيته أبو إمامة وقالوا : هلموا نجعل لنا يوماً نجتمع فيه فنذكر الله ونصلي فإن لليهود السبت وللنصارى الأحد فاجعلوه يوم العروبة ، فصلّى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم فسموه يوم الجمعة لاجتمعاهم فيه ، وأنزل الله تعالى آية الجمعة فهي أول جمعة كانت في الإسلام قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم المدينة مهاجراً نزل قباء على بني عمرو بن عوف وأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخمس وأسس مسجدهم ، ثم خرج يوم الجمعة عامداً المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم فخطب وصلّى الجمعة . وفضيلة صلاة الجمعة كثيرة منها ما ورد في الصحاح عن أبي هريرة " إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول " و " مثل المبكر كمثل الذي يهدي بدنه ثم كالذي يهدي بقرة ثم كبشاً ثم دجاجة ثم بيضة فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر " وعنه صلى الله عليه وسلم " من مات يوم الجمعة كتب الله له أجر شهيد ووقى فتنة القبر " وكانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر غاصة بالمبكرين إلى الجمعة يمشون بالسرج . وقيل : أول بدعة أحدثت مع الإسلام ترك البكور إلى الجمعة . ولا تقام الجمعة عند أبي حنيفة إلا في مصر جامع وهو ما أقيمت فيه الحدود ونفذت فيه الأحكام . وقد يقال : ما يكون فيه نهر جار وسوق قائم وملك قاهر وطبيب حاذق . وعنده تنعقد بثلاثة سوى الإمام ، وعند الشافعي لا تنعقد إلاّ بأربعين متوطنين . وأعذار الجمعة مشهورة في كتب الفقه . ومعنى السعي القصد دون العدو ومنه قول الحسن : ليس السعي على الأقدام ولكنه على النيات والقلوب . وعن ابن عمر أنه سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي . قال العلماء : وهذا لا بأس به ما لم يجهد نفسه . قوله { إلى ذكر الله } أي إلى الخطبة والصلاة وهي تسمية الشيء بأشرف أجزائه . ومذهب أبي حنيفة أنه لو اقتصر على كل ما يسمى ذكراً مثل الحمد لله أو سبحان الله جاز .

وعند صاحبيه والشافعي لا بد من كلام يسمى خطبة . وعن جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته : نحمد الله ونثني عليه بما هو أهله ثم يقول : من يهد الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له ، إن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صلاته قصداً وخطبته قصداً . وعن أبي وائل قال : خطبنا عمار فأوجز وأبلغ فلما نزل قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن طول الصلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأقصر الخطبة وأطل الصلاة " وإن من البيان لسحراً . قوله { وذروا البيع } خاص ولكنه عام في الحقيقة لكل ما يذهل عن ذكر الله . وسبب التخصيص أن أهل القرى وقتئذ يجتمعون من كل أوب في السوق وأغلب اجتماعهم على البيع والشراء . ولا خلاف بين العلماء في تحريم البيع وقت النداء . وهل يصح ذلك البيع إن وقع الأكثرون ؟ نعم لأن المنع غير متوجه نحو خصوص البيع . وإنما هو متوجه نحو ترك الجمعة حتى لو تركها بسبب آخر فقد ارتكب النهي ولو باع في غير تلك الحالة لم يصادفه نهي .

/خ11