بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (9)

قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمَنُواْ إِذَا نُودِي للصلاة } يعني : إذا أذن للصلاة { مِن يَوْمِ الجمعة فاسعوا إلى ذِكْرِ الله } يعني : امضوا إلى الصلاة فصلوها . ويقال : { إلى ذِكْرِ الله } يعني : الخطبة فاستمعوها . وروى الأعمش ، عن إبراهيم قال : كان ابن مسعود يقرأ : ( فامضوا إلى ذكر الله ) ويقول : لو قرأتها فاسعوا ، لسعيت حتى يسقط ردائي . وقال : القتبي : السعي على وجه الإسراع في المشي كقوله تعالى : { وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى المدينة يسعى قَالَ يا موسى إِنَّ الملا يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فاخرج إِنِّي لَكَ مِنَ الناصحين } [ القصص : 20 ] والسعي : العمل كقوله تعالى : { وَمَنْ أَرَادَ الآخرة وسعى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فأولئك كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا } [ الإسراء : 19 ] وقال : { إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى } [ الليل : 4 ] ، والسعي : المشي ، كقوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيي الموتى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بلى ولكن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطير فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجعل على كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْآ ثُمَّ ادعهن يَأْتِينَكَ سَعْيًا واعلم أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ البقر : 260 ] وكقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إِذَا نُودِي للصلاة مِن يَوْمِ الجمعة فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُواْ البيع ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ الجمعة : 9 ] وقال الحسن في قوله تعالى : { فاسعوا إلى ذِكْرِ الله } قال : ليس السعي بالأقدام ، ولكن سعي بالنية ، وسعي بالقلب ، وسعي بالرغبة .

ثم قال : { وَذَرُواْ البيع } ، ولم يذكر الشراء ، لأنه لما ذكر البيع ، فقد دل على الشراء . ومعناه : اتركوا البيع والشراء . وقال جماعة من العلماء : لو باع بعد الأذان يوم الجمعة ، لم يجز البيع . وقال الزهري : يحرم البيع يوم الجمعة عند خروج الإمام . وروى جويبر ، عن الضحاك أنه قال : إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ الجُمُعَةِ ، حَرُمَ الشِّرَاءُ وَالْبَيْع ، وَلَوْ كُنْت قَاضِيّاً لَرَدَدْتُهُ .

وروى معمر ، عن الزهري قال : الأَذَان الَّذِي يُحرمُ نِيَّةَ الْبَيْعِ عِنْدَ خُروجِ الإمَامِ وَقْتَ الخُطْبَةِ ، وقال الحسن : إذَا زَالَتِ الشَّمْسِ ، فَلا تَشْتَرِ وَلا تَبِعْ . وقال محمد : يُحْرَمُ البَيْعُ عِنْدَ النِّداءِ يَوْمَ الجُمُعَةِ عِنْدِ الصَّلاةِ . وروى عكرمة ، عن ابن عباس قال : لا يَصحُّ البَيْعُ وَالشِّراءُ يَوْمَ الجُمُعَةِ حِينَ يُنَادَى بِالصَّلاةِ حَتَّى تَنْقَضِي . وقال عامة أهل الفتوى من الفقهاء : إنَّ البَيْعَ جَائِزٌ فِي الحُكْمِ لأنَّ النَّهْيَ لأَجْلِ الصَّلاةِ وَلَيْسَ بِمَانِعٍ لِمَعْنًى فِي الْبَيْعِ . ثم قال : { ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ } يعني : السعي إلى الصلاة ، وترك الشراء والبيع . والاستماع إلى الخطبة ، خير لكم من الشراء والبيع . { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } يعني : فاعلموا ذلك . وكل ما في القرآن { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } إن كنتم مؤمنين ، فهو بمعنى التقرير والأمر .