فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (9)

قوله : { يأيها الذين ءامَنُواْ إِذَا نُودِيَ للصلاة } أي وقع النداء لها ، والمراد به الأذان إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة ، لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نداء سواه ، وقوله : { مِن يَوْمِ الجمعة } بيان لإذا وتفسير لها . وقال أبو البقاء : إن من بمعنى : في كما في قوله : { أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض } ( فاطر 40 ) أي في الأرض . قرأ الجمهور { الجُمُعَة } بضم الميم . وقرأ عبد الله بن الزبير والأعمش بإسكانها تخفيفاً . وهما لغتان وجمعها جمع وجمعات . قال الفراء : يقال الجمعة بسكون الميم وبفتحها وبضمها . وهي صفة لليوم : أي يوم يجمع الناس . قال الفراء أيضاً وأبو عبيد : والتخفيف أخفّ وأقيس ، نحو : غرفة وغرف وطرفة وطرف ، وحجرة وحجر . وفتح الميم لغة عقيل . وقيل : إنما سميت جمعة لأن الله جمع فيها خلق آدم ، وقيل : لأن الله فرغ فيها من خلق كلّ شيء فاجتمعت فيها جميع المخلوقات ، وقيل : لاجتماع الناس فيها للصلاة { فاسعوا إلى ذِكْرِ الله } قال عطاء : يعني الذهاب والمشي إلى الصلاة . وقال الفراء : المضيّ والسعي والذهاب في معنى واحد ، ويدلّ على ذلك قراءة عمر بن الخطاب وابن مسعود ( فامضوا إلى ذكر الله ) وقيل المراد القصد . قال الحسن : والله ما هو سعي على الأقدام ، ولكنه قصد بالقلوب والنيات ، وقيل : هو العمل كقوله : { ومَنْ أَرَادَ الآخرة وسعى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [ الإسراء : 19 ] وقوله : { إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى } [ الليل : 4 ] وقوله : { وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى } [ النجم : 39 ] قال القرطبي : وهذا قول الجمهور ، ومنه قول زهير :

سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم *** . . .

وقال أيضاً :

سعى ساعياً غيظ بن مرة بعد ما *** تنزل ما بين العشيرة بالدم

أي فاعملوا على المضيّ إلى ذكر الله واشتغلوا بأسبابه من الغسل والوضوء والتوجه إليه ، ويؤيد هذا القول قول الشاعر :

أسعى على جل بني مالك *** كلّ امرئ في شأنه ساعي

{ وَذَرُواْ البيع } أي اتركوا المعاملة به ويلحق به سائر المعاملات . قال الحسن : إذا أذن المؤذن يوم الجمعة لم يحلّ الشراء والبيع ، والإشارة بقوله : { ذلكم } إلى السعي إلى ذكر الله وترك البيع ، وهو مبتدأ وخبره { خَيْرٌ لَّكُمْ } أي خير لكم من فعل البيع وترك السعي لما في الامتثال من الأجر والجزاء . وفي عدمه من عدم ذلك إذا لم يكن موجباً للعقوبة { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي إن كنتم من أهل العلم ، فإنه لا يخفى عليكم أن ذلكم خير لكم .

/خ11