الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (9)

- ثم قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة( فاسعوا إلى ذكر الله )[ 9 ] .

أي : إذا سمعتم النداء إلى الصلاة في يوم الجمعة ) فامضوا إليها ، وهو الآذان الذي يكون عند قعود الإمام على المنبر للخطبة .

وقد قرأ ابن مسعود وعمر بن الخطاب : " فامضوا إلى ذكر الله " .

والسعي : [ العمل ] لا السرعة في المشي ، دليله ( قوله ) : ( وأما من جاءك يسعى ) و : ( ثم أدبر يسعى ) و : ( وإذا تولى سعى في الأرض ) / ( فلما بلغ معه السعي ) كل هذا ليس يراد به سرعة مشي ولا جري ، إنما هو العمل . ويزيد في بيانه قوله تعالى : ( إن سعيكم لشتى ) أي : إن عملكم لمختلف .

قال الحسن وقتادة : فاسعوا بالنية والإرادة .

قال قتادة : " السعي يا ابن آدم أن تسعى بقلبك وعملك ، وهو المضي إليها " ، وهو قول عكرمة .

( وقال ) ابن زيد : إذا سمعتم الداعي الأول فأجيبوا إلى ذلك .

قال : ولم يكن في زمان رسول اللهصلى الله عليه وسلم أذان إلا الأذان حين يجلس على المنبر ، وأذان حين تقام الصلاة . قال : وهذا الآخر شيء أحدثه الناس بعد في زمان عثمان رضي الله [ عنه ] فلم ينكره أحد من الصحابة ، وذلك حين كثر الناس وتباعدت الدور عن المسجد ، فمضى عليه العمل . ولا يحل البيع بعد سماع النداء الذي يكون بين يدي الإمام عند الخطبة ، وهي قوله : ( وذروا البيع )[ 9 ] .

أي : دعوا البيع والشراء إذا نودي للصلاة عند الخطبة ( يوم الجمعة ) . والذكر هنا هو موعظة الإمام الناس في خطبته ، قاله ابن المسيب وغيره .

- ثم قال : ( ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون )[ 9 ] .

أي : سعيكم إليها وترك البيع والشراء خير لكم في عقباكم إن كنتم تعلمون مصالح أنفسكم ومضارها ، وقد قال الضحاك والحسن وعطاء : إذا زالت الشمس يوم الجمعة حرم البيع والشراء حتى تقضى الصلاة ، وكان عمر بن عبد العزيزرضي الله عنه يمنع الناس البيع يوم الجمعة إذا نودي بالصلاة .

وقال مالك : يفسخ البيع إذا وقع في هذا الوقت المنهي عنه ، ولم ير الشافعي فسخه لأن الآية ليس فيها فسخه ، فقيل له : أرأيت نكاح [ المحرم ] ونكاح الشغار يفسخان إذا وقعا ؟ [ فقال : نعم ] ، قال : فكيف [ تفسخهما ؟ ] وليس في الحديث ذكر الفسخ إذا وقعا ؟ ! إنما فيه النهي عن ذلك كما في الآية النهي عن البيع ، فكما لا اختلاف في فسخ النكاح – وإن كان الحديث لم يتضمن ذكر الفسخ – كذلك هذا . وقد ذهب قوم إلى أن البيع جائز في ذلك الوقت ، وتأولوا أن الآية على الترغيب لا على الإلزام ، واستدلوا ( على ذلك ) بقوله بعد ذلك : ( ذلكم خير لكم ) . فلما قال ( خير لكم ) دل على أنه على الترغيب . وهذا غلط ، لو جاز هذا لكان قوله : ( ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم ) على الترغيب لا على الإلزام ، وهذا كفر من قائله .

فإن أعتق أو أنكح بعد الأذان يوم الجمعة لم يفسخ ، لأنه ليس من البيع الذي نص الله [ عليه ] ، [ ولأنه ] أمر نادر غير دائم كالبيع الذي هو دائم منتظر ، ولأن القوم إنما خرجوا من خلف النبيصلى الله عليه وسلم إلى العير التي أتت من الشام ليروها وليشتروا [ مما ] جاءت به ، فعوتبوا على ذلك ونزل تحريم البيع الذي أخرجهم من خلف النبي صلى الله عليه وسلم

قال جابر : أقبلت عير بتجارة يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، فانصرف الناس ينظرون ، وبقي رسول الله ( يخطب ) في ( اثني ) عشر رجلا ، فنزلت هذه الآية .

فالجمعة لازمة لكل حر محتلم ، وغسلها سنة على كل محتلم وقت الرواح إليها .

ولا جمعة على المسافر ولا على النساء ، فإن ( حضرن ) وصلين مع الناس ركعتين أجزتهن عن الظهر .

وكان ابن مسعود يخرج النساء من المسجد يوم الجمعة ويقول : أخرجن إلى بيوتكن ( خيرا لكن . وجائز للمسافر السفر ) يوم الجمعة ما لم يحضر الوقت عند مالك ، ومنعه جماعة من ذلك حتى يصلي الجمعة .

والجمعة يجب أن يأتيها من كان على ثلاثة أميال فأقل من المسجد عند مالك .

وعن الزهري : من كان على ( مسافة ) ستة أميال فأقل يجب عليه الإتيان .

وقيل : لا يجب إلا على من سمع النداء ، روي ( عن ) عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وبه قال أحمد بن

حنبل ، لأنه قال تعالى : ( إذا نودي للصلاة ) فدل على أن ذلك على من سمعه أو كان في موضع يمكن أن يسمعه .

وقال أصحاب الرأي : تجب الجمعة على أهل المصر ، من سمع النداء ومن لم يسمع .

وقال ابن المنكدر والزهري : تجب الجمعة على من كان على أربعة أميال .

وروي عن أبي هريرة : أن الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة من بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس .

وقال أبو العالية والحسن : ( هي ) ( عند ) زوال الشمس .

وقالت عائشة رضي الله عنها : هي عند أذان المؤذن لصلاة الجمعة .

وعن الحسن أيضا أنها مابين خروج الإمام إلى أن [ تقضى ] الصلاة .

وقال أبو بردة : هي عند نزول الإمام .

وقال أبو السوار : هي مابين زوال الشمس إلى أن تدخل الصلاة .

وعن أبي ذر : أنها بعد زيغ الشمس شبرا إلى ذراع من يوم الجمعة .

وعن جماعة ن العلماء : أنها آخر ساعة من يوم الجمعة .