إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (9)

{ يا أيها الذين آمَنُواْ إِذَا نُودِيَ للصلاة } أيْ فُعِلَ النداءُ لهَا أيْ أُذِّنَ لَهَا { مِن يَوْمِ الجمعة } بيانٌ لإذَا وتفسيرٌ لهَا وقيلَ من بمَعْنَى في كَما في قولِهِ تعالَى : { أَرُوني مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرض } [ سورة فاطر ، الآية 40 ] أيْ في الأرضِ وإنَّما سمِّي جمعةً لاجتماعِ الناسِ فيهِ للصلاةِ وقيلَ أولُ مَنْ سمَّاها جمعةً كعبُ بنُ لُؤَي وكانتِ العربُ تسميهِ العَرُوبَةَ وقيلَ إنَّ الأنصارَ قالُوا قبلَ الهجرةِ لليهودِ يومٌ يجتمعونَ فيهِ بكُلِّ سبعةِ أيامٍ وللنَّصارَى مثلُ ذلكَ فهلمُّوا نجعلْ لَنَا يوماً نجتمعُ فيهِ فنذكرُ الله فيهِ ونُصلِّي فقالُوا يومُ السبتِ لليهودِ ويومُ الأحدِ للنَّصارَى فاجعلُوه يومَ العَروبَةِ فاجتمعُوا إلى سعدِ بنِ زُرارةَ فصلَّى بهمْ ركعتَينِ وذكَّرَهُم فسمَّوه يومَ الجمعةِ لاجتماعِهِم فيهِ فأنزلَ الله آيةَ الجمعةِ فهيَ أولُ جمعةِ كانتْ في الإسلامِ . وأما أولُ جمعةً جَمَّعها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فهُو أنَّه لما قدمَ المدينةَ مُهَاجِراً نزلَ قُبَاءَ على بني عمرو بنِ عوفٍ وأقامَ بها يومَ الإثنينِ والثّلاثاءِ والأربعاءِ والخميسِ وأسَّس مسجدَهُم ثم خرجَ يومَ الجمعةِ عامداً المدينةَ فأدركتْهُ صلاةُ الجمعةِ في بني سالمِ بنِ عوفٍ في بطنِ وادٍ لهم فخطبَ وصلَّى الجمعةَ { فاسعوا إلى ذِكْرِ الله } أيْ امشُوا واقْصِدُوا إلى الخطبةِ والصلاةِ { وَذَرُوا البيع } واتركُوا المعاملةَ { ذلكم } أي السعيُ إلى ذكرِ الله وتركُ البيعِ { خَيْرٌ لكُمْ } منْ مباشرتِهِ فإنَّ نفعَ الآخرةِ أجلُّ وأبقَى { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أيْ الخيرَ والشرَّ الحقيقينِ أوْ إِنْ كنتم أهلَ العلمِ .