فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (9)

{ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ( 9 ) }

{ نودي } أذن .

{ فاسعوا } اعمدوا ، واهتموا ، واقصدوا ، واتجهوا .

{ ذكر الله } الموعظة والصلاة .

{ وذروا } واتركوا .

عهد الله تعالى إلى أهل الإيمان إذا أذن المؤذن للصلاة التي تصل وسط النهار من يوم الجمعة بدلا من صلاة الظهر في سائر الأيام أن يهتموا بالتوجه إليها لسماع خطبتها ، وصلاة ركعتيها- وليست أربع ركعات كالظهر- واتركوا الانشغال بالبيع والشراء . وسائر ما تبتغون به عرض الحياة ، فإن التوجه إلى ذكر ربكم وأداء صلاتكم أبرك وأحسن عاقبة في العاجل والآجل لو كنتم تعلمون ما هو الأنفع مآلا ، { إذا نودي للصلاة } وذلك حين يجلس الإمام على المنبر ، ويؤذن المؤذن بين يديه ، روى البخاري بسنده عن السائب بن يزيد قال : كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ، فلما كان عثمان بعد زمن وكثر الناس ، زاد النداء الثاني . . اه أمر عثمان رضي الله عنه أن ينادي قبل خروج الإمام حتى يجتمع الناس ، وكان ينادي به على الزوراء- يؤذن به على الزوراء وهي أرفع دار كانت بالمدينة قرب المسجد .

{ وفي الحديث الصحيح : أن الأذان كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا ، فلما كان زمن عثمان زاد الأذان الثالث على الزوراء ، وسماه في الحديث ثالثا لأنه أضافه إلى الإقامة ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ( بين كل أذانين صلاة لمن شاء ) يعني الأذان والإقامة ؛ ويتوهم الناس أنه أذان أصلي ، فجعلوا المؤذنين ثلاثة فكان وهما ، ثم جمعوهم في وقت واحد فكان وهما على وهم . . . }{[6828]} . .

{ إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } قال بعض العلماء : كون الصلاة الجمعة هاهنا معلوم بالإجماع لا من نفس اللفظ ، لكن ابن العربي قال : وعندي أنه معلوم من نفس اللفظ بنكتة وهي قوله : { من يوم الجمعة } وذلك يفيده ؛ لأن النداء الذي يختص بذلك اليوم هو نداء تلك الصلاة ؛ فأما غيرها فهو عام في سائر الأيام ؛ ولو لم يكن المراد به نداء الجمعة لما كان لتخصيصه بها وإضافته إليها معنى ولا فائدة{[6829]} . اه ؛ { فاسعوا إلى ذكر الله } فامضوا واقصدوا واتجهوا إلى حيث يذكر الله في بيته بالموعظة في الخطبتين والصلاة ؛ وليس المراد بالسعي هاهنا المشي السريع بل الاهتمام بها . كقوله تعالى : { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها . . . }{[6830]} أي : عمل لها ، وعنى بشأنها ؛ فأما المشي السريع إلى الصلاة عامة فمخالف للهدى الإلهي ؛ في الصحيحين- صحيحي البخاري ومسلم- عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : ( إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ) وفيهما عن أبي قتادة قال : بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال ، فلما صلى قال : ( ما شأنكم ) ؟ قالوا : استعجلنا إلى الصلاة ، قال : ( فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ) ؛ وأورد بعض المفسرين أحكام الجمعة وعلى من أوجبها الله سبحانه ، وما يشترط في الخطبة والصلاة ، وما يستحب قبل الحضور إلى الجمعة وحين أدائها ، وكم العدد الذي لا بد منه لصحتها ؛ كما ذكروا حكم البيع ساعة أداء الجمعة ومن حين يؤذن لها : هل يحرم ويمضي ؟ أم يبطل ويفسخ ؟ وهل ذلك مقصور على من تجب عليه أم على الكافة ؛ كما نقلوا عن ابن سيرين وأهل السير والتاريخ روايات عن أول جمعة جمعت بالمدينة أصلاها أسعد بن زرارة أم مصعب ابن عمير ؟ - وكان ذلك قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم- ، ثم نقلوا عنهم حديث أول جمعة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، وأول خطبة خطبها ؛ وأول جمعة جمعت بعدها .


[6828]:- ما بين العارضتين أورده القرطبي
[6829]:يقول اللغويون: الجمعة بالضم مثل الجمعة بالإسكان، ومعناه: المجموع أي يوم الفوج المجموع؛ وقيل: مصدر بمعنى الاجتماع؛ وقال بعضهم: إنما سمى هذا اليوم يوم الجمعة لأن آدم عليه السلام اجتمع فيه مع حواء في الأرض، وقيل: لأن خلق آدم عليه السلام جمع فيه؛ وصحح ابن حبان خبر (لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة،) وفي خبر مسلم: (فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها وفيه تقوم الساعة وأنه خير يوم طلعت عليه الشمس) وصحح خبر (وفيه تيب عليه وفيه مات)..
[6830]:- سورة الإسراء. من الآية 19.