التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (2)

ثم بين - سبحانه - أقسام خلقه فى هذه الحياة فقال : { هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } .

والخطاب فى قوله : { خَلَقَكُمْ } لجيمع المكلفين من هذه الأمة .

والفاء فى قوله : { فَمِنكُمْ كَافِرٌ } للتفريع المشعر بالتعجب من وجود من هو كافر بالله - تعالى - مع أنه - سبحانه - هو الذى خلقه ، وخلق كل شىء .

وقدم ذكر الكافر ، لأنه الأهم فى هذا المقام ، ولأنه الأكثر عددا فى هذه الحياة .

أي هو سبحانه - الذى خلقكم بقدرته ، دون أن يشاركه فى ذلك مشارك ، وزودكم بالعقول التى تعينكم على معرفة الخير من الشر ، والنافع من الضار وأرسل إليكم رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - لكى يخرجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، وأنزل معه الكتاب الذى يدلكم على أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه صادق فيما يبلغه عن ربه ، وأمركم هذا الرسول الكريم بإخلاص العبادة لله - تعالى - وحده ، ولم يترك رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وسيلة تهديكم إلى الحق إلا وأرشدكم إليها . . .

ومع ذلك وجد منكم المختار للكفر بالحق ، المعرض عن الإيمان بوحدانية الله - تعالى - وكان منكم المستجيب للحق باختياره المخلص فى عقيدته لله - تعالى - المؤمن بوحدانيته ، المؤدى لجميع التكاليف التى كلفه - سبحانه - بها .

قال القرطبى - بعد أن ذكر جملة من الأقوال فى معنى هذه الآية - : وقال الزجاج - وقوله أحسن الأقوال ، والذى عليه الأئمة والجمهور من الأمة - : إن الله خلق الكافر ، وكفره فعل له وكسب ، مع أن الله خالق الكفر . وخلق المؤمن ، وإيمانه فعل له وكسب ، مع أن الله خالق الإيمان .

والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه ، لأن الله - تعالى - قدر ذلك عليه وعلمه منه ، ولا يجوز أن يوجد من كل واحد منهما ، غير الذى قدر عليه ، وعلمه منه .

وقوله : { والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أى : والله - تعالى - لا تخفى عليه خافية من أعمالكم ، وسيحاسبكم عليها يوم القيامة ، وسيجازى الذين أساءوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (2)

واللمسة الثانية في صميم القلب الإنساني ، الذي يقف في خضم الوجود المؤمن المسبح بحمد الله . مؤمنا تارة وكافرا تارة . وهو وحده الذي يقف هذا الموقف الفريد .

( هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ) . .

فعن إرادة الله وعن قدرته صدر هذا الإنسان ؛ وأودع إمكان الاتجاه إلى الكفر وإمكان الاتجاه إلى الإيمان ؛ وتميز بهذا الاستعداد المزدوج من بين خلق الله ؛ ونيطت به أمانة الإيمان بحكم هذا الاستعداد . وهي أمانة ضخمة وتبعة هائلة . ولكن الله كرم هذا المخلوق فأودعه القدرة على التمييز والقدرة على الاختيار ؛ وأمده بعد ذلك بالميزان الذي يزن به عمله ويقيس به اتجاهه . وهو الدين الذي نزله على رسل منه . فأعانه بهذا كله على حمل هذه الأمانة . ولم يظلمه شيئا .

( والله بما تعملون بصير ) . .

فهو رقيب على هذا الإنسان فيما يعمل ، بصير بحقيقة نيته واتجاهه ، فليعمل إذن وليحذر هذا الرقيب البصير . .

وهذا التصور لحقيقة الإنسان وموقفه هو طرف من التصور الإسلامي الواضح المستقيم لموقف الإنسان في هذا الوجود ، واستعداداته وتبعاته أمام خالق الوجود .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (2)

القول في تأويل قوله تعالى : { هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مّؤْمِنٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .

يقول تعالى ذكره : الله الّذِي خَلَقَكُمْ أيها الناس ، وهو من ذكر اسم الله فَمِنكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مِوءْمِنٌ يقول : فمنكم كافر بخالقه وأنه خلقه ومنكم مؤمن يقول : ومنكم مصدّق به موقن أنه خالقه أو بارئه وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ يقول : والله الذي خلقكم بصير بأعمالكم عالم بها ، لا يخفى عليه منها شيء ، وهو مجازيكم بها ، فاتقوه أن تخالفوه في أمره أو نهيه ، فيسطو بكم .

حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، قال : حدثنا حسن بن موسى الأشيب ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، قال : حدثنا بكر بن سوادة ، عن أبي تميم الجيشاني ، عن أبي ذرّ : «إن المَنِيّ إذ مكث في الرحم أربعين ليلة ، أتى ملك النفوس ، فعرج به إلى الجبار في راحته ، فقال : أي ربّ عبدك هذا ذكر أم أنثى ؟ فيقضي الله إليه ما هو قاض ، ثم يقول : أي ربّ أشقيّ أم سعيد ؟ فيكتب ما هو لاق » . قال : وقرأ أبو ذرّ فاتحة التغابن خمس آيات .