التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ} (6)

ثم صور - سبحانه - حرصهم على صرف الناس عن دعوة الحق . تصويرا بديعا ، فقال : { وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا وَاْصْبِرُواْ على آلِهَتِكُمْ } ، أى : وانطلق الأشراف فى قريش عن مجلس أبى طالب ، بعد أن سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم ما أغضبهم وخيب آمالهم . انطلقوا يقولون : أن امشوا فى طريقهم التى كان عليها آباؤكم واصبروا على عبادة آلهتكم مهما هوَّن محمد صلى الله عليه وسلم من شأنها ، ومهما نهى عن عبادتها .

{ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرَادُ } أى : إن هذا الذى يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلم من عبادة الله - تعالى - وحده وترك عبادة آلهتنا لشئ يراد من جهته هو ، وهو مصمم عليه كل التصميم ، ونحن من جانبنا يجب أن نقابل تصميمه على دعوته ، بتصميم منا على عبادة آلهتنا .

وعلى هذا المعنى تكون الإِشارة هنا عائدة إلى ما يدعوهم إليه النبى صلى الله عليه وسلم من عبادة الله وحده .

ويصح أن تكون الإِشارة إلى دينهم هم ، فيكون المعنى : إن هذا الدين الذى نحن عليه لشئ يراد لنا ، وقد وجدنا عليه آباءنا ، وما دام الأمر كذلك فلن نتركه مهما كرَّهنَا فيه محمد صلى الله عليه وسلم .

قال الآلوسى : قوله : { إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرَادُ } تعليل للأمر بالصبر ، والإِشارة إلى ما وقع وشاهدوه من أمر النبى صلى الله عليه وسلم وتصلبه فى أمر التوحيد ، ونفى ألوهية آلهتهم . . أى : إن هذا لشئ عظيم يراد به من جهته صلى الله عليه وسلم إمضاؤه وتنفيذه . فاقطعوا أطماعكم عن استنزاله إلى إرادتكم ، واصبرو على عبادة آلهتكم . وقيل : إن هذا الأمر لشئ من نوائب الدهر يراد بنا ، فلا حيلة إلا تجرع مرارة الصبر . وقيل : إن هذا - أى : دينكم - يُطلب لينتزع منكم ويطرح ويراد إبطاله . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ} (6)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَانطَلَقَ الْمَلاُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىَ آلِهَتِكُمْ إِنّ هََذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } :

يقول تعالى ذكره : وانطلق الأشراف من هؤلاء الكافرين من قريش ، القائلين : أجَعَلَ الاَلِهَةَ إلها وَاحِدا بأنِ امضُوا فاصبروا على دينكم وعبادة آلهتكم . فأن من قوله : أن امْشُوا في موضع نصب يتعلق انطلقوا بها ، كأنه قيل : انطلقوا مشيا ، ومضيا على دينكم . وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «وَانْطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ يَمْشُونَ أنِ اصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ » . وذُكر أن قائل ذلك كان عُقْبة ابن أبي مُعِيط . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد : ( وَانْطَلَق المَلأُ مِنْهُمْ ) ، قال : عقبة بن أبي معيط .

وقوله : إنّ هَذَا لَشْيءٌ يُرَادُ : أي إن هذا القول الذي يقول محمد ، ويدعونا إليه ، من قول لا إله إلا الله ، شيء يريده منا محمد يطلب به الاستعلاء علينا ، وأن نكون له فيه أتباعا ولسنا مجيبيه إلى ذلك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ} (6)

روي في قصص هذه الآية أن أشراف قريش وجماعتهم اجتمعوا عند مرض أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن من القبيح علينا أن يموت أبو طالب ونؤذي محمداً بعده ، فتقول العرب : تركوه مدة عمه ، فلما مات آذوه ، ولكن لنذهب إلى أبي طالب فلينصفنا منه ، وليربط بيننا وبينه ربطاً ، فنهضوا إليه ، فقالوا يا أبا طالب إن محمداً يسب ويسفه آراءنا وآراء آبائنا ونحن لا ُنقاره على ذلك ، ولكن افصل بيننا وبينه في حياتك ، بأن يقيم في منزله يعبد ربه الذي زعم ، ويدع آلهتنا ، ولا يعرض لأحد منا بشىء من هذا ، فبعث أبو طالب في محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال يا محمد ، إن قومك قد دعوك إلى النصفة ، وهي أن تدعهم وتعبد ربك وحدك ، فقال : أو غير ذلك يا عم ؟ قال وما هو ؟ قال : يعطوني كلمة تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم الجزية بها العجم قالوا وما هي ؟ فإنا نبادر إليها ، قال : لا إله إلا الله ، فنفروا عند ذلك ، وقالوا ما يرضيك منا غير هذا ؟ قال : والله لو أعطيتموني الأرض ذهباً ومالاً . وفي رواية : لو جعلتم الشمس في يميني والقمر في شمالي ما أرضاني منكم غيرها ، فقاموا عند ذلك ، وبعضهم يقول : { أجعل الآلهة إلهاً واحداً ، إن هذا لشيء عجاب } [ ص : 5 ] ويرددون هذا المعنى ، وعقبة بن أبي معيط يقول : { امشوا واصبروا على آلهتكم }الآية .

وجلبت هذا الخبر تام المعنى ، وفي بعض رواياته زيادة ونقصان ، والغرض متقارب ، ولما ذهبوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا عم ، قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله » ، فقال : والله لولا أن تكون سبة في بني بعدي لأقررت بها عينك ، ومات وهو يقول : على ملة عبد المطلب ، فنزلت في ذلك : { إنك لا تهدي من أحببت } [ القصص : 56 ] وانطلق .

فقوله تعالى في هذه الآية : { وانطلق الملأ } عبارة عن خروجهم عن أبي طالب وانطلاقهم من ذلك الجمع ، هذا قول جماعة من المفسرين . وقالت فرقة : هي عبارة عن إذاعتهم لهذه الأقاويل ، فكأنه كما يقول الناس : انطلق الناس بالدعاء للأمير ونحوه ، أي استفاض كلامهم بذلك ، و { الملأ } الأشراف والرؤوس الذي يسدون مسد الجميع في الآراء ونحوه .

وقوله : { أن امشوا } { أن } مفسرة لا موضع لها في الإعراب ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإسقاط حرف الجر ، أي بأن ، فهي بتقدير المصدر ، كأنه قال : وانطلق الملأ منهم بقولهم : امشوا ومعنى الآية أنه قال بعضهم لبعض امشوا واصبروا على كل أمر آلهتكم ، وذهب بعض الناس إلى أن قولهم : { امشوا } ، هو دعاء بكسب الماشية ، وفي هذا ضعف ، لأنه كان يلزم أن تكون الألف مقطوعة ، لأنه إنما يقال : أمشي الرجل إذا صار صاحب ماشية ، وأيضاً فهذا المعنى غير متمكن في الآية ، وإنما المعنى : سيروا على طريقتكم ودوموا على سيركم ، أو يكون المعنى : أمر من نقل الأقدام ، قالوه عند انطلاقهم ، وهو في مصحف عبد الله بن مسعود : «وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا » .

وقولهم : { إن هذا لشيء يراد } : يريدون ظهور محمد وعلوه بالنبوة ، أي يراد منا : الانقياد إليه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ} (6)

الانطلاق حقيقته : الانصراف والمشي ، ويستعمل استعمال أفعال الشروع لأن الشارع ينطلق إليه ، ونظيره في ذلك : ذَهب بفعل كذا ، كما في قول النبهاني :

فإن كنتَ سيِّدنَا سدْتَنا *** وإن كنت للخال فاذْهب فَخلْ

وكذلك قام في قوله تعالى : { إذ قاموا فقالوا } في سورة [ الكهف : 14 ] .

وقيل : إن الانطلاق هنا على حقيقته ، أي وانصرف الملأ منهم عن مجلس أبي طالب . و { الملأ } : سادة القوم قال ابن عطية : قائل ذلك عقبة بن أبي معيط . وقال غير ابن عطية : إن من القائلين أبا جهل ، والعاصي بن وائل ، والأسود بن عبد يغوث .

و { أن } تفسيرية لأن الانطلاق إن كان مجازاً فهو في الشروع فقد أريد به الشروع في الكلام فكان فيه معنى القول دون حروفه فاحتاج إلى تفسيرٍ بكلام مقول ، وإن كان الانطلاقُ على حقيقته فقد تضمن انطلاقهم عقب التقاول بينهم بكلامهم الباطل { هذا ساحِرٌ } [ ص : 4 ] إلى قوله : { عُجَابٌ } [ ص : 5 ] يقتضي أنهم انطلقوا متحاورين في ماذا يصنعون . ولما أسند الانطلاق إلى الملأ منهم على أنهم ما كانوا لينطلقوا إلا لتدبير في ماذا يصنعون فكان ذلك مقتضياً تحاوراً وتقاولاً احتيج إلى تفسيره بجملة { أن امشوا واصبروا على ءَالهتِكُم } الخ . والأمر بالمشي يحتمل أن يكون حقيقة ، أي انصرفوا عن هذا المكان مكان المجادلة ، واشتغلوا بالثبات على آلهتكم . ويجوز أن يكون مجازاً في الاستمرار على دينهم كما يقال : كما سار الكرام ، أي اعمل كما عملوا ، ومنه سميت الأخلاق والأعمال المعتادة سيرة .

والصبر : الثبات والملازمة ، يقال : صبر الدابة إذا ربطها ، ومنه سمي الثبات عند حلول الضُرّ صبراً لأنه ملازمة للحلم والأناة بحيث لا يضطرب بالجزع ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : { إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها } [ الفرقان : 42 ] .

وحرف { على } يدلّ على تضمين { اصبروا } معنى : اعكفوا وأثبتوا ، فحرف { على } هنا للاستعلاء المجازي وهو التمكن مثل { أولئك على هدى من ربهم } [ البقرة : 5 ] . وليس هو حرف { على } المتعارف تعدية فعل الصبر به في نحو قوله : { اصبر على ما يقولون } [ المزمل : 10 ] فإن ذلك بمعنى ( مع ) ، ولذلك يخلفه اللام في مثل ذلك الموقع نحو قوله تعالى : { فاصبر لحكم ربك } [ القلم : 48 ] ، ولا بدّ هنا من تقدير مضاف ، أي على عبادة آلهتكم ، فلا يتعدى إلى مفعول إن كان مجازاً فهو في الشروع فقد أريد به الشروع في الكلام فكان .

وجملة { إن هذا لشيءٌ يُرادُ } تعليل للأمر بالصبر على آلهتهم لقصد تقوية شكهم في صحة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بأنها شيء أرادهُ لغرض أي ليس صادقاً ولكنه مصنوع مراد منه مقصد كما يقال : هذا أمر دُبِّر بليل ، فالإِشارة ب { هذا } إلى ما كانوا يسمعونه في المجلس من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إياهم أن يقولوا : لا إله إلا الله .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ} (6)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وانطلق الملأ منهم}... والملأ في كلام العرب الأشراف...

{أن امشوا}... {واصبروا}: واثبتوا على عبادة {آلهتكم}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وانطلق الأشراف من هؤلاء الكافرين من قريش، القائلين:"أجَعَلَ الآلِهَةَ إلها وَاحِدا" بأنِ امضُوا فاصبروا على دينكم وعبادة آلهتكم... كأنه قيل: انطلقوا مشيا ومضيا على دينكم. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله: «وَانْطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ يَمْشُونَ أنِ اصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ»...

وقوله: "إنّ هَذَا لَشْيءٌ يُرَادُ": أي إن هذا القول الذي يقول محمد، ويدعونا إليه، من قول لا إله إلا الله، شيء يريده منا محمد يطلب به الاستعلاء علينا، وأن نكون له فيه أتباعا، ولسنا مجيبيه إلى ذلك.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

الانطلاق الذهاب بسهولة، ومنه طلاقه الوجه...

{أن امشوا واصبروا على آلهتكم} فيه وجهان:

أحدهما: اتركوه واعبدوا آلهتكم.

الثاني: امضوا على أمركم في المعاندة واصبروا على آلهتكم في العبادة، والعرب تقول: امش على هذا الأمر، أي امض عليه وألزمه...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

إذا تواصى الكفارُ فيما بينهم بالصبر على آلهتهم، فالمؤمنون أَوْلى بالصبر على عبادة معبودهم والاستقامة في دينهم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

انطلقوا عن مجلس أبي طالب بعد ما بكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجواب العتيد، قائلين بعضهم لبعض {امشوا وَاْصْبِرُواْ} فلا حيلة لكم في دفع أمر محمد.

{إِنَّ هَذَا} الأمر {لشيء يُرَادُ}:... إن هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر يراد بنا فلا انفكاك لنا منه. أو إن دينكم لشيء يراد؛ يطلب ليؤخذ منكم وتغلبوا عليه...

ويجوز أن يراد بالانطلاق: الاندفاع في القول، وأنهم قالوا: امشوا، أي: أكثروا واجتمعوا...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{وانطلق الملأ}...قالت فرقة: هي عبارة عن إذاعتهم لهذه الأقاويل، فكأنه كما يقول الناس: انطلق الناس بالدعاء للأمير ونحوه، أي استفاض كلامهم بذلك.

{الملأ} الأشراف والرؤوس الذي يسدون مسد الجميع في الآراء ونحوه...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

الملأ عبارة عن القوم الذين إذا حضروا في المجلس فإنه تمتلئ القلوب والعيون من مهابتهم وعظمتهم...

"إن هذا لشيء يراد"... قال القفال هذه كلمة تذكر للتهديد والتخويف؛ وكأن معناها أنه ليس غرض محمد من هذا القول تقرير الدين، وإنما غرضه أن يستولى علينا فيحكم في أموالنا وأولادنا بما يريد...

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

{إن هذا لشيء يراد}... أن هذا الذي يدعيه من التوحيد أو يقصده من الرئاسة، والترفع على العرب والعجم لشيء يتمنى أو يريده كل أحد...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان العجب فكيف بالعجاب جديراً بأن يلزم صاحبه ليزداد الناظر عجباً، بين أنهم فعلوا خلاف ذلك تصديقاً لمن نسبهم إليه من الشقاق فقال: {وانطلق}.

ولما كان ما فعلوه لا يفعله عاقل، فربما ظن السامع أن المنطلق منهم أسقاط من الناس من غيرهم قال: {الملأ} أي الأشراف.

{منهم} أي لا من غيرهم فكيف بالأسقاط منهم وكيف بغيرهم، ثم حقق الانطلاق مضمناً له القول؛ لأنه من لوازمه بقوله: {أن امشوا} أي قائلاً كل منهم لذلك آمراً لنفسه ولصاحبه بالجد في المفارقة حالاً ومقالاً...

ولما كان كل منهم قد أخذ ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم قلبه وسلب لبه على ما أشار إليه "ذي الذكر بل "فهو خائف من صاحبه أن يكون قد استحال عن اعتقاد التعدد بما يعرف من تزحزحه في نفسه، أكدوا قولهم: {إن هذا} أي الصبر على عبادة الآلهة {لشيء يراد} أي هو أهل للإرادة فهو أهل لئلا ينفك عنه، أو الذي يدعو إليه شيء يريده هو ولا نعلم نحن ما هو على ما نحن عليه من الحذق، فهو شيء لا يعلم في نفسه...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

يصور طريقتهم في مقاومة هذه الحقيقة في نفوس الجماهير، وتثبيتهم على ما هم عليه من عقيدة موروثة متهافتة. وإيهامهم أن وراء الدعوة الجديدة خبيئاً غير ظاهرها؛ وأنهم هم الكبراء العليمون ببواطن الأمور، مدركون لما وراء هذه الدعوة من خبيء! (وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد).. فليس هو الدين، وليست هي العقيدة، إنما هو شيء آخر يراد من وراء هذه الدعوة.

إنها الطريقة المألوفة المكرورة التي يصرف بها الطغاة جماهيرهم عن الاهتمام بالشؤون العامة، والبحث وراء الحقيقة، وتدبر ما يواجههم من حقائق خطرة. ذلك أن اشتغال الجماهير بمعرفة الحقائق بأنفسهم خطر على الطغاة، وخطر على الكبراء، وكشف للأباطيل التي يغرقون فيها الجماهير. وهم لا يعيشون إلا بإغراق الجماهير في الأباطيل!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الأمر بالمشي يحتمل أن يكون حقيقة، أي انصرفوا عن هذا المكان مكان المجادلة، واشتغلوا بالثبات على آلهتكم. ويجوز أن يكون مجازاً في الاستمرار على دينهم... الصبر: الثبات والملازمة، يقال: صبر الدابة إذا ربطها، ومنه سمي الثبات عند حلول الضُرّ صبراً؛ لأنه ملازمة للحلم والأناة بحيث لا يضطرب بالجزع...

{على} يدلّ على تضمين {اصبروا} معنى: اعكفوا وأثبتوا، فحرف {على} هنا للاستعلاء المجازي وهو التمكن.

ولا بدّ هنا من تقدير مضاف، أي على عبادة آلهتكم، فلا يتعدى إلى مفعول إن كان مجازاً فهو في الشروع فقد أريد به الشروع في الكلام فكان...

وجملة {إن هذا لشيءٌ يُرادُ} تعليل للأمر بالصبر على آلهتهم لقصد تقوية شكهم في صحة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بأنها شيء أرادهُ لغرض أي ليس صادقاً ولكنه مصنوع مراد منه مقصد...