التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَيُّ شَيۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَٰدَةٗۖ قُلِ ٱللَّهُۖ شَهِيدُۢ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ أَئِنَّكُمۡ لَتَشۡهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخۡرَىٰۚ قُل لَّآ أَشۡهَدُۚ قُلۡ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ وَإِنَّنِي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ} (19)

ثم أمر الله : نبيه صلى الله عليه وسلم : فى بيان رائع حكيم ، أن يسأل المشركين عن أى شىء فى هذا الكون أعظم وأزكى شهادة بحيث تقبل شهادته ولا ترد فقال - تعالى - : { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ } .

روى بعض المفسرين أن أهل مكة قالوا : يا محمد ، أرنا من يشهد أنك رسول الله ، فإنا لا نرى أحدا نصدقه ، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر ، فأنزل الله - تعالى - : { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ } .

أى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يخاصمونك فيما تدعو إليه : أى شىء فى هذا الوجود شهادته أكبر شهادة وأعظمها بحيث تقبلونها عن تسليم وإذعان ؟ ثم أمره أن يجيبهم على هذا السؤال بالحقيقة التى لا يمارى فيها عاقل وهى أن شهادة الله هى أكبر شهادة وأقواها وأزكاها ، لأنها شهادة من يستحيل عليه الكذب أو الخطأ ، وقد شهد - سبحانه - : بصدقى فيما أبلغه عنه فلماذا تعرضون عن دعوتى ، وتتنكبون الطريق المستقيم ؟

وصدرت الآية الكريمة بقل وبصيغة الاستفهام تنبيهاً إلى جلال الشاهد ، وإلى سلامة دعوى النبى صلى الله عليه وسلم لكى يدركوا ما فيها من حق وما هم فيه من ضلال .

وأوثرت كلمة " شىء " فى قوله - تعالى - : { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً } لأنها تفيد الشمول والإحاطة والاستقصاء .

قال صاحب الكشاف : ما ملخصه قوله - تعالى - : { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ } أراد : أى شهيد أكبر شهادة ، فوضع شيئاً مقام شهيد ليبالغ فى التعميم ، ويحتمل أن يكون تمام الجواب عنه قوله : { قُلِ الله } بمعنى : الله أكبر شهادة ، ثم ابتدأ . { شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ } أى : هو شهيد بينى وبينكم . وأن يكون { الله شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ } هو الجواب ، لدلالته على أن الله - تعالى - : { إذا كان هو الشهيد بينه وبينهم فأكبر شىء شهادة من هو شهيد له ) .

والمراد بشهادة الله ما جاء فى آياته القرآنية من أنه - سبحانه - : قد أرسل رسوله محمدا { بالهدى وَدِينِ الحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ } ثم بين - سبحانه - : أن القرآن هو المعجزة الخالدة للنبى صلى الله عليه وسلم فقال : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذا القرآن لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ } .

أى : أن الله - تعالى - : قد أنزل هذا القرآن عن طريق وحيه الصادق ، لأنذركم به يا أهل مكة ، ولأنذر به - أيضاً - جميع من بلغه هذا الكتاب الكريم ووصلت إليه دعوته من العرب والعجم فى كل زمان ومكان إلى يوم القيامة .

فهذه الجملة تدل على عموم بعثة النبى صلى الله عليه وسلم كما تدل على أن أحكام القرآن تعم الموجودين وقت نزوله ، وتعم - أيضاً - الذين وجدوا بعد نزوله وبلغتهم دعوته . ولم يروا النبى صلى الله عليه وسلم ففى الحديث الشريف :

" بلغوا عن الله - تعالى - فمن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله " .

وعن محمد بن كعب قال : " من بلغه القرآن فكأنما رأى النبى صلى اله عليه وسلم وذلك لأن القرآن الكريم لما كان متواترا بلفظه ومعناه ، كان من بلغه فعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم : كأنما سمعه منه وإن كثرت الوسائط ، لأنه هو الذى بلغه بلا زيادة ولا نقصان ، أما من لم تبلغه دعوة القرآن فلا يصدق عليه أنه بلغته الدعوة ، وحينئذ لا يكون مخاطبا بتعاليم هذا الدين ، وإثمه يكون فى أعناق الذين قصروا فى تبليغ دعوة الإسلام إليه .

ثم أمره - سبحانه - أن يستنكر ما عليه المشركون من كفر وإلحاد ، وأن يعلن براءته منهم ومن معبوداتهم فقال - تعالى - : { أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ الله آلِهَةً أخرى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } .

أى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين : إذا كنتم قد ألغيتم عقولكم . وترديتم فى مهاوى الشرك والضلال ، وشهدتم بأن مع الله آلهة أخرى ، فإنى برىء منكم ومن أعمالكم القبيحة ، ومحال أن أشهد بما شهدتم به ، وإنما الذى أشهد به وأعتقده ، أن الله - تعالى - واحد لا شريك له ، وإننى بعيد كل البعد عن ضلالكم وجحودكم .

والاستفهام فى قوله { أَئِنَّكُمْ } إنكارى ، جىء به لاستقباح ما وقع منهم من شرك ، وأكد قوله { لَتَشْهَدُونَ } للإشارة إلى تغلغل الضلال فى نفوسهم ، واستيلاء الجحود على قلوبهم .

وعبر عن أوثانهم بأنها { آلِهَةً أخرى } مجاراة لهم فى زعمهم الباطل ومبالغة فى توبيخهم والتهكم بهم .

وفى أمره - سبحانه - لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يصارحهم بأنه لا يشهد بشهادتهم " قل : لا أشهد " توبيخ لهم على جهالتهم ، وتوجيه لأتباعه إلى الافتداء به فى شجاعته أمام الباطل ، وفى ثباته على مبدئه .

وقد تضمن قوله - تعالى - : { قُلْ إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ } اعتراف كامل بوحدانية الله ، وقصرها عليه - سبحانه - ، وتصريح بالبراءة التامة من الأوثان وعابديها ، وتنديد شديد بهذا العمل الباطل .

وبذلك تكون الآية الكريمة قد تضمنت شهادة من الله - تعالى - بأن رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم صادق فى رسالته ، وشهادة من هذا الرسول الكريم بأن الله واحد لا شريك له ، وأنه برىء من إلحاد الملحدين وكفر الكافرين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ أَيُّ شَيۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَٰدَةٗۖ قُلِ ٱللَّهُۖ شَهِيدُۢ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ أَئِنَّكُمۡ لَتَشۡهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخۡرَىٰۚ قُل لَّآ أَشۡهَدُۚ قُلۡ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ وَإِنَّنِي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ} (19)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ أَيّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيّ هََذَا الْقُرْآنُ لاُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَىَ قُل لاّ أَشْهَدُ قُلْ إِنّمَا هُوَ إِلََهٌ وَاحِدٌ وَإِنّنِي بَرِيءٌ مّمّا تُشْرِكُونَ } . .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يكذبون ويجحدون نبوّتك من قومك : أيّ شيء أعظم شهادة وأكبر ، ثم أخبرهم بأن أكبر الأشياء شهادة الله الذي لا يجوز أن يقع في شهادته ما يجوز أن يقع في شهادة غيره من خلقه من السهو والخطأ والغلط والكذب ، ثم قل لهم : إن الذي هو أكبر الأشياء شهادة شهيد بيني وبينكم ، بالمحقّ منا من المبطل والرشيد منا في فعله وقوله من السفيه ، وقد رضينا به حكما بيننا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : أيّ شَيْءٍ أكْبَرُ شَهادَةً قال : أمر محمد أن يسأل قريشا ، ثم أمر أن يخبرهم فيقول : اللّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .

القول في تأويل قوله تعالى : وأُوحِيَ إليّ هَذَا القُرآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء المشركين الذين يكذّبونك : اللّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وأُحِيَ إليّ هَذَا القُرْآنُ لاِنْذِرَكُمْ بهِ عقابه ، وأنذر به من بلغه من سائر الناس غيركم ، إن لم ينته إلى العمل بما فيه وتحليل حلاله وتحريم حرامه والإيمان بجميعه ، نزولَ نقمة الله به .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أيّ شَيْءٍ أكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وأُحِيَ إليّ هَذَا القُرآنُ لاِنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «يا أيّها النّاسُ بَلّغُوا وَلَوْ آيَةً مِنْ كِتابِ الله ، فإنّهُ مَنْ بَلَغَهُ آيَةٌ مِنْ كِتابِ اللّهِ فقد بلغه أمْرُ اللّهِ ، أخَذَهُ ، أوْ تَرَكَهُ » .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : لاِنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «بَلّغُوا عَنِ اللّهِ ، فَمَنْ بَلَغَهُ آيَةٌ مِنْ كِتابِ اللّهِ ، فَقَدْ بَلَغَهُ أمْرُ اللّهِ » .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي : لاِنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ قال : من بلغه القرآن فكأنما رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم . ثم قرأ : وَمَنْ بَلَغَ أئِنّكُمْ لَتَشْهَدُونَ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن حسن بن صالح ، قال : سألت ليثا : هل بقي أحد لم تبلغه الدعوة ؟ قال : كان مجاهد يقول : حيثما يأتي القرآن فهو داع وهو نذير . ثم قرأ : لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أئِنّكُمْ لَتَشْهَدُونَ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَمَنْ بَلَغَ : من أسلم من العجم وغيرهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا خالد بن يزيد ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب في قوله : لاِنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ قال : من بلغه القرآن ، فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : وأُحِيَ هَذَا القُرآنُ لاِنْذِرَكُمْ بِهِ يعني أهل مكة ، وَمَنْ بَلَغَ يعني : ومن بلغه هذا القرآن فهو له نذير .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت سفيان الثورّي يحدّث ، لا أعلمه إلاّ عن مجاهد ، أنه قال في قوله : وأُحِيَ هَذَا القُرآنُ لاِنْذِرَكُمْ بِهِ العرب وَمَنْ بَلَغَ العجم .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : لاِنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أما «من بلغ » : فمن بلغه القرآن فهو له نذير .

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وأُحِيَ هَذَا القُرآنُ لاِنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ قال : يقول : من بلغه القرآن فأنا نذيره . وقرأ : يا أيّها النّاسُ إنّي رَسُولُ اللّهِ إلَيْكُمْ جَمِيعا قال : فمن بلغه القرآن ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم نذيره .

فمعنى هذا الكلام : لأنذركم بالقرآن أيها المشركون ، وأنذر من بلغه القرآن من الناس كلهم ، ف «مَنْ » موضع نصب بوقوع «أنذر » عليه ، و «بلغ » في صلته ، وأسقطت الهاء العائدة على «مَنْ » في قوله : «بَلَغَ » لاستعمال العرب ذلك في صلات «من ، وما ، والذي » .

القول في تأويل قوله تعالى : أئِنّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أنّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أشْهَدُ قُلْ إنّمَا هُوَ إلَهٌ وَاحِدٌ وَإنّنِي بَرِىءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء المشركين الجاحدين نبوّتك ، العادلين بالله ربا غيره : أئنكم أيها المشركون لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى ، يقول : تشهدون أن معه معبودات غيره من الأوثان والأصنام . وقال : «أُخْرَى » ولم يقل : «أخر » والاَلهة جمع ، لأن الجموع يلحقها التأنيث ، كما قال تعالى : فَمَا بالُ القُرُونِ الأُولى ولم يقل «الأُوَل » ، ولا «الأوّلين » . ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد ، لا أشهد بما تشهدون أن مع الله آلهة أخرى ، بل أجحد ذلك وأنكره . إنّما هُوَ إلَهٌ وَاحِدٌ يقول : إنما هو معبود واحد ، لا شريك له فيما يستوجب على خلقه من العبادة . وَإنّنِي بَرِىءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ يقول : قل وإنني بريء من كلّ شريك تدعونه لله وتضيفونه إلى شركته وتعبدونه معه ، لا أعبد سوى الله شيئا ولا أدعو غيره إلها . وقد ذكر أن هذه الاَية نزلت في قوم من اليهود بأعيانهم من وجه لم تثبت صحته . وذلك ما :

حدثنا به هناد بن السريّ وأبو كريب ، قالا : حدثنا يونس بن بكير ، قال : ثني محمد بن إسحاق قال : ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، قال : ثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : جاء النحام بن زيد وقردم بن كعب وبحريّ بن عمير ، فقالوا : يا محمد أما تعلم مع الله إلها غيره ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا إلَهَ إلاّ اللّهُ بِذَلِكَ بُعِثْتُ ، وَإلى ذلكَ أدْعُو » فأنزل الله تعالى فيهم وفي قولهم : قُلْ أيّ شَيْءٍ أكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إلى قوله : لا يؤْمِنون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَيُّ شَيۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَٰدَةٗۖ قُلِ ٱللَّهُۖ شَهِيدُۢ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ أَئِنَّكُمۡ لَتَشۡهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخۡرَىٰۚ قُل لَّآ أَشۡهَدُۚ قُلۡ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ وَإِنَّنِي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ} (19)

{ قل أي شيء أكبر شهادة } نزلت حين قالت قريش : يا محمد لقد سألنا عنك اليهود والنصارى ، فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر ولا صفة فأرنا من يشهد لك أنك رسول الله . والشيء يقع على كل موجود ، وقد سبق القول فيه في سورة " البقرة " . { قل الله } أي الله أكبر شهادة ثم ابتدأ { شهيد بيني وبينكم } أي هو شهيد بيني وبينكم ، ويجوز أن يكون الله شهيد هو الجواب لأنه سبحانه وتعالى إذا كان الشهيد كان أكبر شيء شهادة . { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به } أي بالقرآن ، واكتفى بذكر الإنذار عن ذكر البشارة . { ومن بلغ } عطف على ضمير المخاطبين ، أي لأنذركم به يا أهل مكة وسائر من بلغه من الأسود والأحمر ، أو من الثقلين ، أو لأنذركم به أيها الموجودون ومن بلغه إلى يوم القيامة ، وفيه دليل على أن أحكام القرآن تعم الموجودين وقت نزوله ومن بعدهم ، وأنه لا يؤاخذ بها من لم تبلغه . { أئنكم لتشهدون مع الله آلهة أخرى } تقرير لهم مع إنكار واستبعاد . { قل لا أشهد } بما تشهدون . { قل إنما هو إله واحد } أي بل أشهد أن لا إله إلا هو . { وإنني بريء مما تشركون } يعني الأصنام .