التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ} (72)

ثم حكى - سبحانه - أن السحرة بعد أن استقر الإيمان فى قلوبهم ، قد قابلوا تهديد فرعون لهم بالاستخفاف وعدم الاكتراث فقال : { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ على مَا جَآءَنَا مِنَ البينات والذي فَطَرَنَا فاقض مَآ أَنتَ قَاضٍ . . . } .

أى : قال السحرة فى ردهم على تهديد فرعون لهم : لن نختارك يا فرعون ولن نرضى بأن نكون من حزبك ، ولن نقدم سلامتنا من عذابك . . . على ما ظهر لنا من المعجزات التى جاءنا بها موسى ، والتى على رأسها عصاه التى ألقاها فإذا هى تبتلع حبالنا وعصينا .

وجملة " والذى فطرنا " الواو فيها للعطف على " ما " فى قوله { مَا جَآءَنَا } .

أى : لن نختارك يا فرعون على الذى جاءنا من البينات على يد موسى ، ولا على الذى فطرنا أى ؛ خلقنا وأوجدنا فى هذه الحياة .

ويصح أن تكون هذه الواو للقسم ، والموصول مقسم به ، وجواب القسم محذوف دل عليه ما قبله ، والمعنى : وحق الذى فطرنما لن نؤثرك يا فرعون على ما جاءنا من البينات .

وقوله : { فاقض مَآ أَنتَ قَاضٍ } تصريح منهم بأن تهديده لهم لا وزن له عندهم ، ورد منهم على قوله : { لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ } .

أى : لن نقدم طاعتك على طاعة خالقنا بعد أن ظهر لنا الحق ، فافعل ما أنت فاعله ، ونفذ ما تريد تنفيذه فى جوارحنا ، فهى وحدها التى تملكها ، أما قلوبنا فقد استقر الإيمان فيها ، ولا تملك شيئا من صرفها عما آمنت به .

قال بعض العلماء : واعلم أن العلماء اختلفوا : هل فعل بهم فرعون ما توعدهم به ، أو لم يفعله بهم ؟

فقال قوم : قتلهم وصلبهم ، وقوم أنكروا ذلك ، وأظهرهما عندى : أنه لم يقتلهم ، وأن الله عصمهم منه لأجل إيمانهم الراسخ بالله - تعالى - لأن الله قال لموسى وهارون : { أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون } وقوله : { إِنَّمَا تَقْضِي هذه الحياة الدنيآ إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا } تعليل لعدم مبالاتهم بتهديده لهم .

أى : افعل يا فرعون ما أنت فاعله بأجسامنا ، فإن فعلك هذا إنما يتعلق بحياتنا فى هذه الحياة الدنيا ، وهى سريعة الزوال ، وعذابها أهون من عذاب الآخرة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالُواْ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ} (72)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ لَن نّؤْثِرَكَ عَلَىَ مَا جَآءَنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ وَالّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنّمَا تَقْضِي هََذِهِ الْحَيَاةَ الدّنْيَآ * إِنّآ آمَنّا بِرَبّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السّحْرِ وَاللّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىَ } .

يقول تعالى ذكره : قالت السحرة لفرعون لما توعدهم بما توعّدهم به : لَنْ نُؤْثِرَكَ فنتبعك ونكذّب من أجلك موسى عَلى ما جاءَنا مِنَ البّيّناتِ يعني من الحجج والأدلة على حقيقة ما دعاهم إليه موسى . وَالّذِي فَطَرَنا يقول : قالوا : لن نؤثرك على الذي جاءنا من البينات ، وعلى الذي فطرنا . ويعني بقوله : فَطَرنا : خلقنا ، فالذي من قوله : وَالّذِي فَطَرنا خفض على قوله : ما جاءَنا ، وقد يحتمل أن يكون قوله : وَالّذِي فَطَرنا خفضا على القسم ، فيكون معنى الكلام : لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات والله . وقوله : " فاقْضِ ما أنْتَ قاضٍ " يقول : فاصنع ما أنت صانع ، واعمل بنا ما بدا لك إنما تَقْضِي هَذِهِ الحَياةَ الدّنيا يقول : إنما تقدر أن تعذّبنا في هذه الحياة الدنيا التي تفنى . ونصب الحياة الدنيا على الوقت وجعلت إنما حرفا واحدا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حُدثت عن وهب بن منبه " لَنْ نُؤْثرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ البَيّناتِ وَالّذِي فَطَرَنا " أي على الله على ما جاءنا من الحجج مع بينة . " فاقْضِ ما أنْتَ قاضٍ " : أي اصنع ما بدا لك . " إنّمَا تَقْضِي هَذِهِ الحَيَاةَ الدّنيا " أي ليس لك سلطان إلا فيها ، ثم لا سلطان لك بعده .