التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا فَارِضٞ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ} (68)

هذا وما أرشدهم إليه نبيهم - عليه السلام - كان كافياً لحملهم على أن يذبحوا أي بقرة تنفيذاً لأمر ربهم ، ولكن طبيعتهم الملتوية المعقدة لم تفارقهم ، فأخذوا يسألون كما أخبر القرآن عنهم بقوله : { ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ } ؟

أي : قال بنو إسرائيل لموسى اطلب لنا من ربك أن يبين لنا حالها وصفاتها . وسبب سؤالهم عن صفتها ، تعجبهم من بقرة مذبوحة بأيديهم ، يضرب ببعضها ميت لتعود إليه الحياة ، وكأنهم - لقلة فهمهم - قد توقعوا أن البقرة التي يكون لها أثر في معرفة قاتل القتيل ، لا بد أن تكون لها صفة متميزة عن سائر جنسها .

وسؤالهم بهذه الطريقة يوحى بسوء أدبهم مع الله - تعالى - ومع نبيهم موسى - عليه السلام - لأنهم قالوا { ادع لَنَا رَبَّكَ } فكأنما هو رب موسى وحده ، لا ربهم كذلك ، وكأن المسألة لا تعنيهم هم إنما تعني موسى وربه ومع هذا فقد أجابهم إجابة المربى الحكيم للأنباع السفهاء الذين ابتلى بهم فقال : { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك فافعلوا مَا تُؤْمَرونَ } .

أي : قال لهم موسى بعد أن أخبره الله بصفتها : إنه - تعالى - يقول : إن البقرة التي آمركم بذبحها لا مسنة ولا صغيرة ، بل نصف بينهما ، فاتركوا الإِلحاح في الأسئلة ، وسارعوا إلى امتثال ما أمرتم به .

وقد أكد - سبحانه - جملة { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ } تنزيلا لهم منزلة المنكرين لتعنتهم في السؤال ومحاولتهم التنصل مما أمروا به .

ولم يقل القرآن الكريم من أول الأمر : إنها بقرة عوان بل جاء بالوصفين السابقين { لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } للتعريض بغباوتهم ، والتلميح بعدم فهمهم للأساليب الموجزة ، لذا لجأ في جوابهم إلى تكنير التوصيف حتى لا يعودوا إلى تكرار الأسئلة .

وقوله تعالى : { فافعلوا مَا تُؤْمَرونَ } يقصد به قطع العذر مع الحض على الطاعة والامتثال .

وما موصولة ، والعائد محذوف بعد حذف جاره ، على طريقة التوسع ، أي : إذا كان الأمر كذلك ، فبادروا إلى تنفيذ ما تؤمرون به ، لتصلوا إلى معرفة القاتل الحقيقي بأيسر طريق ، ولا تضيقوا على أنفسكم ما وسعه الله لكم ، ولا تكثروا من المراجعة ، فإنها ليست في مصلحتكم .

/خ74