الفارض : المسن التي انقطعت ولادتها من الكبر .
يقال : فرضت وفرضت تفرض ، بفتح العين في الماضي وضمها ، والمصدر فروض ، والفرض : القطع ، قال الشاعر :
كميت بهيم اللون ليس بفارض *** ولا بعوان ذات لون مخصف
ويقال لكل ما قدم وطال أمره : فارض ، قال الشاعر :
يا ربّ ذي ضغن عليّ فارض *** له قروء كقروء الحائض
وكأنّ المسن سميت فارضاً لأنها فرضت سنها ، أي قطعتها وبلغت آخرها ، قال خفاف بن ندبة :
لعمري لقد أعطيت ضيفك فارضاً *** تساق إليه ما تقوم على رجل
ولم تعطه بكراً فيرضى سمينه *** فكيف تجازى بالمودة والفضل
البكر : الصغيرة التي لم تلد من الصغر ، وقال ابن قتيبة : التي ولدت ولداً واحداً .
والبكر من النساء : التي لم يمسها الرجل ، وقال ابن قتيبة : هي التي لم تحمل .
والبكر من الأولاد : الأول ، ومن الحاجات : الأولى .
يا بكر بكرين ويا خلب الكبد *** أصبحت مني كذراع من عضد
والبكر ، بفتح الباء : الفتى من الإبل ، والأنثى : بكرة ، وأصله من التقدم في الزمان ، ومنه البكرة والباكورة .
والعوان : النصف ، وهي التي ولدت بطناً أو بطنين ، وقيل : التي ولدت مرة .
وقالت العرب : العوان لا تعلم الخمرة ، ويقال : عونت المرأة ، وحرب عوان ، وهي التي قوتل فيها مرة بعد مرة ، وجمع على فعل : قالوا عون ، وهو القياس في المعتل من فعأل ، ويجوز ضم عين الكلمة في الشعر ، منه :
بين : ظرف مكان متوسط التصرف ، تقول : هو بعيد بين المنكبين ، ونقي بين الحاجبين .
قال تعالى : { هذا فراق بيني وبينك } ، ودخولها إذا كانت ظرفاً : { بين ما تمكن البينية فيه } ، والمال بين زيد وبين عمرو ، ومسموع من كلامهم ، وينتقل من المكانية إلى الزمانية إذا لحقتها ما ، أو الألف ، فيزول عنها الاختصاص بالأسماء ، فيليها إذ ذاك الجملة الاسمية والفعلية ، وربما أضيفت بيناً إلى المصدر .
ولبين في علم الكوفيين باب معقود كبير .
{ قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي } ، لما قال لهم موسى : { أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } ، وعلموا أن ما أخبرهم به موسى من أمر الله إياهم بذبح البقرة كان عزيمة وطلباً ، جاز ما قالوا له ذلك ، وهذا القول أيضاً فيه تعنيت منهم وقلة طواعية ، إذ لو امتثلوا فذبحوا بقرة ، لكانوا قد أتوا بالمأمور ، ولكن شدّدوا ، فشدد الله عليهم ، قاله ابن عباس وأبو العالية وغيرهما .
وكسر العين من ادع لغة بني عامر ، وقد سبق ذكر ذلك في { فادع لنا ربك يخرج لنا } وجزم يبين على جواب الأمر .
وقرأ عبد الله : سل لنا ربك يبين ما هي ، ومفعول يبين : هي الجملة من المبتدأ والخبر ، والفعل معلق ، لأن معنى يبين لنا يعلمنا ما هي ، لأن التبيين يلزمه الإعلام ، والضمير في هي عائد على البقرة السابق ذكرها ، وكأنهم قالوا : يبين لنا ما البقرة التي أمرنا بذبحها ، ولم يريدوا تبيين ماهية البقرة ، وإنما هو سؤال عن الوصف ، فيكون على حذف مضاف ، التقدير : ما صفتها ؟ ولذلك أجيبوا بالوصف ، وهو قوله : { لا فارض ولا بكر } .
وإنما سألوا على طريق التعنت ، كما قدّمناه ، أو على طريق التعجب من بقرة ميتة يضرب بها ميت فيحيا ، إذ ذاك في غاية الاستغراب والخروج عن المألوف ، أو على طريق أنهم ظنوا قوله : { أن تذبحوا بقرة } من باب المجمل ، فسألوا تبيين ذلك ، إذ تبين المجمل واجب ، أو على رجاء أن ينسخ عنهم تكليف الذبح ، لثقل ذلك عليهم ، لكونهم لم يعلموا المعنى الذي لأجله أمروا بذلك .
وتقدّم معنى قولهم : { أدع لنا ربك } ، كيف خصوا لفظ الربّ مضافاً إلى موسى ، وذلك لما علموا له عند الله من الخصوصية والمنزلة الرفيعة .
وقيل : إنما سألوا موسى استرشاداً لا عناداً ، إذ لو كان عناداً لكفروا به وعجلت عقوبتهم ، كما عجلت في قولهم : { أرنا الله جهرة } ، وفي عبادتهم العجل ، وفي امتناعهم من قبول التوراة ، وقولهم : { اذهب أنت وربك فقاتلا } وفي الكلام حذف تقديره : فدعا موسى ربه فأجابه .
{ قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر } : صفة لبقرة ، والصفة إذا كانت منفية بلا ، وجب تكرارها ، كما قال :
فإن جاءت غير مكرّرة ، فبابها الشعر ، ومن جعل ذلك من الوصف بالمجمل ، فقدر مبتدأ محذوفاً ، أي { لا هي فارض ولا بكر } ، فقد أبعد ، لأن الأصل الوصف بالمفرد ، والأصل أن لا حذف .
{ عوان } : تفسير لما تضمنه قوله : { لا فارض ولا بكر } .
{ بين ذلك } : يقتضي بين أن تكون تدخل على ما يمكن التثنية فيه ، ولم يأت بعدها إلا اسم إشارة مفرد ، فقيل : أشير بذلك إلى مفرد ، فكأنه قيل : عوان بين ما ذكر ، فصورته صورة المفرد ، وهو في المعنى مثنى ، لأن تثنية اسم الإشارة وجمعه ليس تثنية ولا جمعاً حقيقة ، بل كان القياس يقتضي أن يكون اسم الإشارة لا يثني ولا يجمع ولا يؤنث ، قالوا : وقد أجرى الضمير مجرى اسم الإشارة ، قال رؤبة :
قيل له : كيف تقول كأنه ؟ وهلا قلت : كأنها ، فيعود على الخطوط ، أو كأنهما ، فيعود على السواد والبلق ؟ فقال : أردت كان ذاك ، وقال لبيد :
قيل : أراد وكلا ذينك ، فأطلق المفرد وأراد به المثنى ، فيحتمل أن تكون الآية من ذلك ، فيكون أطلق ذلك ويريد به ذينك ، وهذا مجمل غير الأوّل .
والذي أذهب إليه غير ما ذكروا ، وهو أن يكون ذلك مما حذف منه المعطوف ، لدلالة المعنى عليه ، التقدير : عوان بين ذلك وهذا ، أي بين الفارض والبكر ، فيكون نظير قول الشاعر :
فما كان بين الخير لو جاء سالما***
أي : فما كان بين الخير وباغيه ، فحذف لفهم المعنى : { سرابيل تقيكم الحرّ } أي والبرد .
وإنما جعلت عواناً لأنه أكمل أحوالها ، فالصغيرة ناقصة لتجاوزها حالته .
{ فافعلوا ما تؤمرون } : أي من ذبح البقرة ، ولا تكرروا السؤال ، ولا تعنتوا في أمر ما أمرتم بذبحه .
ويحتمل أن تكون هذه الجملة من قول الله ، ويحتمل أن تكون من قول موسى ، وهو الأظهر .
حرّضهم على امتثال ما أمروا به ، شفقة منه .
وما موصولة ، والعائد محذوف تقديره : ما تؤمرونه ، وحذف الفاعل للعلم به ، إذ تقدّم أن الله يأمركم ، ولتناسب أواخر الآي ، كما قصد تناسب الإعراب في أواخر الأبيات في قوله :
ولا بدّ يوماً أن تردّ الودائع***
إذ آخر البيت الذي قبل هذا قوله :
وأجاز بعضهم أن تكون ما مصدرية ، أي : فافعلوا أمركم ، ويكون المصدر بمعنى المفعول ، أي مأموركم ، وفيه بعد { قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها } لما تعَرّفوا سنّ هذه ، شرعوا في تعرف لونها ، وذلك كله يدل على نقص فطرهم وعقولهم ، إذ قد تقدّم أمران : أمر الله لهم بذبح بقرة ، وأمر المبلغ عن الله ، الناصح لهم ، المشفق عليهم ، بقوله : { فافعلوا ما تؤمرون } ، ومع ذلك لم يرتدعوا عن السؤال عن لونها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.