فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا فَارِضٞ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ} (68)

{ قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي } أي ما سنها ، وهذا السؤال عن صفة البقرة لا عن حقيقتها فإنها معروفة ، وهذا نوع من أنواع تعنتهم المألوفة ، فقد كانوا يسلكون هذه المسالك في غالب ما أمرهم الله به ، ولو تركوا التعنت والأسئلة المتكلفة لأجزاهم ذبح بقرة من عرض البقر ، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم .

{ قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر } أي لا هي كبيرة ولا صغيرة ، والفارض المسنة التي لم تلد ومعناه في اللغة الواسع ، قال في الكشاف وكأنها سميت فارضا لأنها فرضت سنها أي قطعتها وبلغت آخرها انتهى ، ويقال للشيء القديم فارض ، والبكر الصغيرة الفتية التي لم تحمل ولم تلد ، ويطلق في إناث البهائم وبني آدم على ما لم يفتحله الفحل ، ويطلق أيضا على الأول من الأولاد .

{ عوان بين ذلك } أي نصف بين سنين ، والعوان المتوسطة بين سني الفارض والبكر وهي التي قد ولدت بطنا أو بطنين ، ويقال هي التي ولدت مرة بعد مرة والجمع عون بالضم ، والإشارة إلى الفارض والبكر وهما وإن كانتا مؤنثتين فقد أشير إليهما بما هو للمذكر على تأويل المذكور كأنه قال ذلك المذكور ، وجاز دخول { بين } المقتضية لشيئين لأن المذكور متعدد .

{ فافعلوا ما تؤمرون } به أي من ذبح البقرة ولا تكثروا السؤال وهذا تجديد للأمر وتأكيد له وزجر لهم عن التعنت فلم ينفعهم ذلك ولا نجع فيهم ، بل رجعوا إلى طينتهم ، وعادوا إلى عكرهم واستمروا على عاداتهم المألوفة .